عقابين بل ثلاث عقابات إذا انضمّ إليهما مخالفة النهي عن المعصية ، فعلى هذا لو أنّ المكلّف أتى بالزنا بعد ما نهي عنه بالخصوص لاستحقّ عقابا بسبب مخالفته النهي المستفاد عن قوله : « لا تزن » وعقابا آخر بسبب مخالفته النهي عن المعصية في قوله : « لا تعص » وعقابا ثالثا بسبب مخالفته الأمر بالإطاعة وهو ضروريّ البطلان بل لم يقل به أحد ، بل غاية ما يترتّب على ترك الإطاعة إنّما هو فوات الخاصيّة الّتي كانت من شأنها أن تترتّب على فعلها وهي استحقاق الثواب ورفع العقاب المترتّبين على نفس الإطاعة لا الأمر بها بدليل ترتّبهما عليها بدون الأمر أيضا ، نظير ما يترتّب على أوامر الطبيب من الخواصّ والفوائد ، فإنّ ما يترتّب على أمر الطبيب بقوله : « برّد » مثلا من الخاصيّة وهي دفع الحرارة فإنّما يترتّب على نفس التبريد لا الأمر به وإلاّ للزم أن لا تترتّب عليه بدون الأمر ولو حصل في الخارج ، وهو ممّا يكذّبه الحسّ والوجدان.
فبما قرّرناه ينقدح الفرق بين الأمر الإرشادي والأمر الحقيقي ، فإنّ استحقاق الثواب بفعل المأمور به من خواصّ الإطاعة ، فهو جزاء يترتّب على المأمور به في الأوّل لا على الأمر بدليل حصوله بدونه أيضا ، وعلى الأمر دون المأمور به في الثاني بدليل عدم ترتّبه بفعل المأمور به بدون الأمر ، فإنّ حصول الثواب ليس خاصيّة للصلاة المأمور بها كما أنّها خاصيّة للإطاعة ، لأنّه إنّما يحصل ولو فرض الصلاة خالية عن جميع الخواصّ الكامنة كما زعمه الأشاعرة.
وقضيّة ذلك أن لا يترتّب على ترك الإطاعة إلاّ فوات تلك الخاصيّة ، كما أنّه لا يترتّب على ترك التبريد في أمر الطبيب به إلاّ فوات خاصيّة التبريد وهو دفع الحرارة ، وهو كما ترى ليس من استحقاق العقاب في شيء لا مفهوما ولا مصداقا ، فإذا كان الإطاعة ممّا لا يترتّب على تركها استحقاق عقاب فترك الاطمئنان بها المسبّب عن ترك تحصيل العلم بإتيان المأمور به أولى بذلك ، فإذا اتّفق ترك المأمور به بترك تحصيل العلم به لا يلزم عقاب إلاّ على ترك المأمور به من دون عقاب على ترك الاطمئنان.
وإن كان الثاني (١) فلا ينبغي التأمّل ولا الخلاف في الوجوب بهذا المعنى ، لا من جهة أنّه مقدّمة فتجب حتّى يكون ذلك ممّا يتفرّع على القول بوجوب المقدّمة ، بل من جهة أنّه لا مغايرة بينه وبين ذي المقدّمة حقيقة بل هو عينه في الحقيقة وإنّما الاختلاف يحصل في التعبير.
__________________
(١) هذا ثاني شقّي الترديد ، وقد مرّ أوّلهما في ص ٣١ بقوله : « فإن كان الأوّل فلا ينبغي التأمّل ولا الخلاف في عدم الوجوب ».