لبعض الفضلاء المصرّح بأنّ الفرق بينهما اعتباريّ ، فإنّ الصادر من الآمر واحد ، فإن قيس إليه باعتبار صدوره عنه كان إيجابا وإن قيس إلى الفعل باعتبار قيامه به كان وجوبا ، فهما متّحدان ذاتا متغايران اعتبارا.
وإلى ذلك ينظر ما في المجمع عن بعض الأفاضل ـ بعد تصريحه بأنّ الإيجاب والوجوب متقاربان في المعنى ـ من أنّ الفرق بينهما كالفرق بين الضارب والمضروب ، فالضارب هو المؤثّر للضرب والمضروب هو المؤثّر فيه ، فالضارب اسم اشتقّ لذات والمعنى قائم بغيرها ، والإيجاب معناه التأثير والوجوب هو حصول الأثر ، وكأنّ الله تعالى لمّا أوجب علينا شيئا وجب ، فالأوّل يقال له الإيجاب والثاني الوجوب.
ولا يخفى ضعف هذا الكلام ، ويكفي في ثبوت بطلانه قضاء الوجدان بضرورة الفرق بين الكسر والانكسار ، وأنّه يدركه جميع العقول والأذهان في جميع الملل والأديان.
غاية الأمر أنّهما متلازمان حيث لا كسر حقيقة إلاّ مع الانكسار ولا انكسار كذلك إلاّ مع الكسر ، ومجرّد التلازم بين الشيئين لا يقضي باتّحادهما ذاتا ، فإنّ الصادر من الآمر إيجاب وهو علّة لحصول الأثر في الواجب وهو الوجوب ، ومثله الكلام في الضارب والمضروب ، ومن البيّن تغاير المعلول لعلّته ذاتا واعتبارا.
والأقرب بالاعتبار كون الاتّحاد بينهما اعتباريّا من حيث إنّه ينظر في الصادر عن الفاعل وهو حدث واحد ، وكأنّ منشأ هذا التوهّم التلازم الّذي نبّهنا عليه الموجب لشبهة الاتّحاد وفيه ما عرفت.
ثمّ إنّ الواجب ينقسم عندهم تارة إلى المطلق والمقيّد ، وقد يعبّر عنهما بالمنجّز والمشروط ، واخرى إلى النفسي والغيري ، وثالثة إلى التعبّدي والتوصّلي ـ وقد تقدّم البحث عنهما ولا نعيده هنا ـ ، ورابعة إلى الأصلي والتبعي ، وقيل : خامسة إلى الشرطي وغيره ، وربّما يقال : بأنّ فيه وجهين ، فلنا في هذا المبحث مطالب ينبغي التكلّم في كلّ واحد بالخصوص مستوفى.
المطلب الأوّل
فيما يتعلّق بالواجب باعتبار انقسامه إلى المطلق والمشروط
فاعلم ، أنّ لأهل الاصول في تعريف هذين القسمين عبارات مختلفة.
منها : ما يستفاد عن العميدي في المنية : من أنّ المطلق ما لا يتوقّف وجوبه على أمر زائد على الامور المعتبرة في التكليف وهي البلوغ والعقل والعلم والقدرة ، كالصلاة الواجبة