فلابدّ من اعتباره ليطّرد التعريفان.
ولا يخفى أنّ هذا الكلام وارد على خلاف التحقيق ، فإنّ الحيثيّة إنّما تصلح قيدا للاحتراز إذا كانت مغايرة لجنس التعريف منوّعة له ، واردة مورد فصل من فصوله ، كما في تعريف الدلالات الثلاث من الحيثيّة الموجبة لعدم انتقاض بعضها ببعض بالنسبة إلى ما يكون مشتركا بين الكلّ وجزئه والملزوم ولازمه وهي في محلّ البحث ليست بهذه المثابة ، ضرورة عدم تغاير مفهومها لمفهوم التعريف ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ ما لا يتوقّف وجوبه على ما يتوقّف عليه وجوده مقيّد بما لا يتوقّف وجوبه على ما يتوقّف عليه وجوده ، لاتّحاد مفهوميهما ذهنا وخارجا فلا وجه لأخذها هنا من جملة أجزاء الحدّ لصدقه بدونها أيضا ، فتكون من باب القيود التوضيحيّة فيما لا حاجة إلى التوضيح (١).
نعم هي معتبرة فيما يضاف إليه الإطلاق والتقييد من المقدّمتين ، فيقال : إنّ الحجّ مثلا مقيّد من حيث كون الاستطاعة من مقدماته ممّا يتوقّف عليه وجوبه ، فالأولى إسقاطها عن الحدّ الّذي راجع إلى بيان الماهيّة وتوضيح المفهوم واعتبارها في المصداق ليصحّ الإطلاق عليه من باب الحمل المتعارف.
وبالجملة : هذا القيد معتبر فيما يطلق عليه الواجب المطلق أو المقيّد من المصاديق الخارجيّة كالحجّ الّذي يطلق عليه المطلق والمقيّد بالاعتبارين الراجعين إلى مقدّمتيه الوجوديّة والوجوبيّة إذ بدونه لا يصحّ الإطلاق ، لا فيما يفهم من الواجب المطلق أو المقيّد من المفهوم الكلّي الّذي يرجع إليه التعريف خاصّة لا إلى إطلاقه على مصاديقه الخارجيّة.
__________________
(١) هذا محصّل ما استفدناه عن الاستاذ مع تحقيق منّا في بيانه ، ولكنّه عند التحقيق محلّ نظر ، لأنّ الاعتراض المذكور إنّما يتوجّه لو أرجعنا الحيثيّة إلى جنس الحدّين وهو الموصول ، وأمّا لو أرجعناها إلى النفي والإثبات المعتبرين في الصلة الّتي هي بمنزلة الفصل فلا ، إذ يكون مفاد التعريفين حينئذ أنّ المطلق ما لا يتوقّف وجوبه على مقدّمة وجوده من حيث عدم توقّف وجوبه عليها ، والمقيّد ما يتوقّف وجوبه على مقدّمة وجوده من حيث توقّف وجوبه عليها ، فيكون فائدة القيد في الحدّ ، الأوّل عدم انتقاضه بالحجّ بالنسبة إلى الاستطاعة في طرده ، لأنّه وإن كان مطلقا لكن لا من حيث عدم توقّف وجوبه عليها بل من حيث عدم توقّف وجوبه على شراء الزاد والراحلة وفائدته في الحدّ الثاني عدم انتقاضه طردا بالحجّ بالنسبة إلى شراء الزاد والراحلة ، فإنّه وإن كان مقيّدا لكن لا من حيث توقّف وجوبه عليه بل من حيث توقّف وجوبه على الاستطاعة ، فيقال : الحجّ بالنسبة إلى الشراء مطلق من حيث عدم توقّف وجوبه ، وبالنسبة إلى الاستطاعة مقيّد من حيث توقّف وجوبه ، فالقيد ممّا لابدّ منه ومفاده في الحدّين ليس إلاّ ما هو مفاده في حدود الدلالات من غير فرق وإيراد الاستاد غير وارد. ( منه ).