القائمة بنفس المتكلّم فلا ربط بينهما ، فكيف يجعل أحدهما شرطا للآخر ، نظرا إلى وجوب كون الشرط ممّا يجامع المشروط في محلّ واحد ، وهو غير ممكن ها هنا لمكان التضادّ بين محلّيهما كما لا يخفى. فينسدّ بذلك باب الإفادة والاستفادة بالمرّة وهو كما ترى.
وأمّا الثالث : فلأنّ العلم بالإرادة الواقعيّة إن كان من دلالة ذلك اللفظ لزم الدور ، إذ الدلالة على هذا التقدير موقوفة على العلم المذكور.
والمفروض أنّه أيضا في اللفظ المجرّد موقوف على الدلالة ، وإن كان من دلالة غيره لزم عراء الوضع واستعمال اللفظ عن الفائدة أو منافاة حكمته ، مضافا إلى لزوم [ الدور ] أو التسلسل إن كان ذلك الغير لفظا والوجه واضح (١).
فإذا تمهّد ذلك عرفت أنّ الحقّ في محلّ الخلاف ما ذهب إليه الأوّلون من عدم افتقار [ دلالة ] الصيغة على الطلب إلى إرادة الطلب ولا إلى العلم بها ، لكفاية الوضع الثابت فيها مع العلم به في حصولها لكونه سببا تامّا ، كما هو الحال في سائر الحقائق ، على أنّ مصادفة الدلالة للإرادة في الواقع غير معتبرة في وضع شيء من الألفاظ حسبما عرفت تفصيله.
ولا يذهب عليك ، أنّ البحث في تلك إنّما كان من فروع المطلب الثاني الّذي وضعناه للبحث عن الصيغة ، أوردناه ها هنا تبعا للقوم حيث أوردوه في مباحث لفظ « الأمر » ولك إجراء هذا النزاع في لفظ « الأمر » من حيث إنّه وضع للطلب بل كلّ ما كان وضعا (٢) له ، وإن كان كلام الأكثرين لا يساعد ذلك حيث إنّ الواقع في عناوينهم إنّما هو الصيغة دون ما يعمّ لفظ « الأمر » أيضا ، إلاّ على احتمال زعم الترادف بينهما كما سبق إلى بعض الأوهام وسيأتي ضعفه ، ومن هنا ترى بعض الأفاضل (٣) بدّل الصيغة في العنوان بلفظ « الأمر ».
[ الأمر ] الثالث
ذكرها العلاّمة في النهاية ، أشهرها ما عن الجبّائيين كما في التهذيب ، ومحقّقي المعتزلة ، والسيّد ـ كما في النهاية ـ من أنّها تصير
__________________
(١) ووجه ذلك يظهر فيما لو قال المتكلّم بعد قوله : « رأيت أسدا » ـ مثلا ـ بأنّى أردت من « الأسد » الحيوان المفترس ، أو يقول : « يفترس » قيدا للأسد ، فإنّ هذا اللفظ أيضا موضوع بازاء معناه والمفروض أنّ دلالته على هذا المعنى موقوفة على العلم بالإرادة في الواقع ونفس الأمر ، فهذا العلم أيضا إن كان من دلالة هذا اللفظ لزم الدور والاّ فالتسلسل أو الدور أيضا وهكذا ( منه عفي عنه ).
(٢) كذا في الأصل.
(٣) هداية المسترشدين ١ : ٥٩٠.