وتوضيح ذلك : أنّ الشارع ـ على ما يشهد به الوجدان السليم ـ إذا أراد أن يأمر بذي المقدّمة اعتبر هنا تركيبا بين امور متبائنة ، فلاحظه بجميع أجزائه الاعتباريّة مكيّفة بكيفيّات مخصوصة ، راجع بعضها إلى ما هو من أحوال المكلّف مقدورة للمكلّف أوّلا وبالذات كاستقبال القبلة وستر العورة أو ثانيا وبالعرض كالطهارة وتطهير الثياب والبدن ، وبعضها إلى ما هو من لوازم الفعل من زمان ومكان ونحوه ، ولمّا كان ما هو راجع إلى أحوال المكلّف من الامور المعتبرة مقدورا له بأحد الاعتبارين ، فلغاية لطفه ورأفته عليه وشدّة اهتمامه وعنايته بتلك الأحوال لاحظها بعنوان أنّها ممّا يتوقّف عليها وجود مطلوبه وما امر به ، فأمر بتحصيلها بقوله : « استقبل للصلاة » و « استر عورتك للصلاة » أو بإيجاد الأسباب الموجبة لحصولها بقوله : « توضّأ للصلاة » و « اغسل ثيابك وبدنك لها » ومعلوم أنّ امتثال الأمر بها بهذا العنوان يستلزم قصد امتثال الأمر بذيها لزوما بيّنا بالمعنى الأعمّ ، كيف لا وهو الداعي إلى الأمر بها ، فيكون الداعي إلى امتثال الأمر بها قصد الامتثال بذلك الأمر بحيث لو لا ذلك القصد لاستحال الإتيان بها بعنوان أنّها ممّا يتوقّف عليها وجود ذيها ، ولا سيّما مع ملاحظة لزوم قصد الوجه على القول به ، فالتفكيك بينهما على هذا الاعتبار غير معقول.
فإن قلت : لا ملازمة بين امتثال الأمر بها وقصد امتثال الأمر بذيها ، لأنّ الامتثال عبارة عن موافقة الأمر وهي حاصلة ولو بدون القصد المذكور.
قلت : الامتثال هو الإتيان بالمأمور به على وجهه ، والإتيان بالمقدّمة على جهة المقدّمية لا ينفكّ عن قصد الإتيان بذيها امتثالا للأمر به.
والسرّ في ذلك : أنّ كلّ فاعل لابدّ له من علّة محرّكة له إلى الفعل ، ولا يعقل لفاعل المقدّمات بعنوان أنّها مقدّمات علّة محرّكة إليها إلاّ قصد الامتثال بذيها ، مع أنّ امتثال الأمر بها يتوقّف على قصد ذلك الامتثال فيما هو شرط في صحّته والأمر بها مسبّب عن الأمر بذيها ، وقصد امتثال الأمر المسبّب من حيث إنّه مسبّب يستلزم قصد امتثال الأمر السببي.
وأنت خبير بما في ذلك من ضعف مستند حكم العقل ، فإنّه مبنيّ على ثبوت اعتبار قصد العنوان في حصول الامتثال ، وهو بمكان من المنع حيث لا دليل عليه من عقل ولا نقل.
وبالتأمّل فيما قرّرناه في المباحث المتقدّمة المتضمّنة لبيان عدم اشتراط الامتثال بالمأمور به بقصد العنوان يعرف ما هو حقيقة الحال في هذا المقال ، ولا قضاء للعقل ولا للشرع فيما لو كان المأمور به من المقدّمات الّتي أمرها غيري بدخول قصد عنوان المقدّمية