منها : أنّه صيغة « افعل » مع تجرّدها عن القرائن الصارفة لها عن جهة « الأمر » إلى جهة التهديد وغيره.
ومنها : ما عن بعض المعتزلة : من أنّه صيغة « افعل » بإرادات ثلاث ، إرادة وجود اللفظ ، وإرادة دلالتها على « الأمر » وإرادة الامتثال.
وأقوى من ذلك أيضا كون ذلك ممّا عدّه العلاّمة في النهاية قولا آخر مسندا له إلى بعض المعتزلة ، حيث يقول : وربّما قال بعضهم إنّما تصير أمرا بإرادات ثلاث إرادة المأمور ، وإحداث الصيغة والدلالة بالصيغة على الأمر.
فمع هذه الشواهد القويّة كيف يعدّ النزاع لفظيّا أو راجعا إلى النزاع المتقدّم ، مع أنّه لو صحّ ذلك لكان ينبغي أن يكون العلاّمة مخالفا للأشاعرة هاهنا كما خالفهم ثمّة وقد عرفت في العنوان خلافه.
فمن جميع ما قرّرناه تبيّن لك أنّ هذا النزاع متفرّع على جعل « الأمر » من مقولة الأقوال والألفاظ ، وتفسيره بالقول أو اللفظ أو الصيغة كما تقدّم في أكثر تعاريفهم ، وأمّا على ما رجّحناه من كونه من مقولة المعاني وهو الطلب مع سائر قيوده المتقدّمة بأيّ آلة حصل فجريان النزاع حينئذ لا يساعده ظاهر عنواناتهم بل صريح عباراتهم إستدلالا وتمثيلا ونقضا ، إلاّ أنّ لنا إجراء الكلام على ذلك التقدير أيضا كما لا يخفى.
فالنظر في تحقيق الحال في ذلك المقال يقع في مرحلتين :
المرحلة الاولى : في تحقيق الحال في ذلك على التقدير الأوّل.
فنقول : إن كان المتنازع فيه كون العلم بإرادة مدلول الصيغة عنها من خارج شرطا في صدق « الأمر » عليها وعدمه ، فالحقّ مع النافين لكفاية ظاهر اللفظ في الحكم بذلك ، نظرا إلى ظهوره مجرّدا عن جميع القرائن في إرادة الطلب والامتثال بالمأمور كما هو الحال في سائر الحقائق ، ولا ينافيه ورود الصيغة في بعض الأحيان للتهديد والإباحة كما لا ينافي ورود الجملة الخبريّة في بعض الإبّان ، لصدق الخبر عليها عند تجرّدها عن القرينة الصارفة لها عن الجهة الخبريّة ، فإنّ احتمال التجوّز لا يعارض ظهور الحقيقة بلا خلاف.
وإن كان المتنازع فيه كون العلم بعدم إرادة ذلك كما في الصيغة إذا صدرت عن النائم ونحوه ، أو العلم بإرادة غيره كما فيها أيضا إذا وردت تهديدا أو إباحة مانعا عن صدق « الأمر » عليها فالحقّ مع المثبتين ، ضرورة مانعيّة أحد العلمين عن ذلك ، كما في الجملة