العارضة لذات المكلّف فلا تصلح موردا لما يختصّ بأفعاله أو ما هو بمنزلتها ، فلذا جعلت موضوعا لفنّ الفقه.
وربّما يقال ـ في دفع الإشكال بما لا محصّل له عند التحقيق ، وهو : ـ أنّ جهة الاستحباب لا تنافي جهة الوجوب ، لأنّ الأوّل طلب فعل مع الرجحان والثاني طلب لذلك الفعل مع شيء زائد ، فحصول ذلك الطلب لا يوجب سقوط الأوّل بل يؤكّده مع إيراثه شيئا زائدا عليه ، فلا ينافيه لئلاّ يمكن اجتماعهما.
وفيه : أنّ ذلك إنّما يستقيم إذا كان الطلب الأوّل ثابتا لا بشرط شيء لئلاّ ينافيه الطلب الإيجابي الّذي هو طلب بشرط شيء ، وهو ضروريّ البطلان لأنّ الأوّل طلب مع الرجحان بشرط لا ، والثاني طلب معه بشرط شيء فهما يشاركان في الجنس ويتمايزان في الفصل فيحصل التنافي بينهما من هذه الجهة.
نعم على القول بأنّ الوجوب أمر بسيط عبارة عن الطلب المتأكّد فلا فصل له يستقيم ذلك أيضا ، ولكنّه مجرّد دعوى لا شاهد عليها مع مخالفتها للمذهب المشهور.
وقد يقال في دفع الإشكال أيضا ـ على تقدير عدم اجتماع طلبين في محلّ واحد ، وعدم جواز وقوع شيء واحد مطلوبا من وجهين ـ : بمنع كون الامتثال فرعا للمطلوبيّة بل هو فرع المحبوبيّة والفرق بينهما واضح ، وهو أيضا بعيد عن السداد كما لا يخفى.
الأمر الرابع : هل يعتبر في الواجب الغيري ـ سواء كان وجوبه بحكم العقل من باب المقدّميّة أو بحكم الشرع ـ حصول التوصّل فعلا إلى ذي المقدّمة ، بحيث لو لم يحصل التوصّل إليه بعد الإتيان بها لكشف ذلك عن عدم كون المأتيّ بها من المقدّمة الواجبة ، فلو أتى بالوضوء وترك الصلاة أو قطع مسافة الحجّ وترك الحجّ لم يكن آتيا بالمقدّمة الواجبة ، فلازمه انقسام المقدّمة إلى ما هي واجبة وهي الموصلة إلى ذيها ، وما ليست بواجبة وهي الّتي لا توصل إلى ذيها ، أو لا يعتبر ذلك بل الواجب الغيري ما من شأنه أن يتوصّل به إلى ذي المقدّمة سواء حصل التوصّل فعلا أو لا؟ فما فرض من المثالين إنّما هو مقدّمة واجبة قد حصل الامتثال الأمر بها من جهة الإتيان بها ، فالمقدّمة على هذا تنحصر في قسم واحد ، وجهان بل قولان اختار أوّلهما بعض الفضلاء.
وقد يستظهر ذلك ممّن يقول ببطلان الوضوء الّذي يؤتى به لأجل قضاء الفائتة من دون تعقّبه بإتيانها.