الإباحة » و « لام الإباحة » مثلا يمدّ كونها حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء لأنّه حقيقة « الأمر ».
ثمّ قال قدّس الله سرّه : وممّا يؤيّد ما قلناه استناد محقّقي الأصوليّين في إثبات الوجوب في الصيغة بقوله تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(١) و ( ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ )(٢) ولو لا ما ذكرنا لما صّح ذلك (٣) انتهى.
وأنت خبير بأنّ ظاهر النظر يعطي رجوع هذا النزاع إلى النزاع الآتي في حكم الصيغة ، بدعوى كون غرض القائلين بكونها حقيقة في الوجوب إثبات المطابقة بينها وبين المادّة ، كما أنّ مقصد أصحاب الأقوال الاخر نفي هذا المعنى وإبداء كونها أعّم منها ، فعلى هذا لا وجه لجعل ذلك عنوانا آخر وعدّه نزاعا مغائرا لما يأتي ، إلاّ أن يوجّه ذلك بتخصيص ما يأتي من النزاع بالصيغة من حيث كونها للوجوب وعدمه من دون نظر إلى سائر القيود المعتبرة في لفظ « الأمر » من العلوّ والاستعلاء ، فلا يفرق حينئذ بينها في جريان النزاع إذا صدرت عن العالي أو المساوي أو السافل ، بخلاف ما ها هنا فإنّه نزاع في أنّ الصيغ المتداولة في لغة العرب هل يجد فيها صيغة تكون مختصّة بالوضع بما صدق عليه لفظ « الأمر » مع جميع القيود المعتبرة فيه أو لا؟
أو يقال : إنّه نزاع في أنّ ما يصدق عليه « الأمر » حقيقة هل هو عبارة عن نفس الصيغة أو ما يدلّ عليه الصيغة وهو الطلب مع سائر قيوده؟ أو نزاع في أنّ « الأمر » هل هو طلب بالقول أو مطلقا.
ولقد عرفت في ضمن الحدود المتقدّمة « للأمر » أنّ كلّ ذلك خلافيّ عندهم بخلاف ما يأتي ، فإنّه نزاع في حكم الصيغة على جميع التقادير.
وعلى أيّ حال فلا ريب أنّ ما اعتمد عليه قدّس الله روحه من الاستدلال في غاية الوهن وليس إلاّ خبطا عظيما ، فإنّ تبادر « الأمر » عن الصيغة على فرض تسليمه إنّما ينشأ عن الانس التامّ بمصطلح العلماء من الادباء وغيرهم ، فإنّ لفظ « الأمر » في لسانهم يطلق تارة على المعنى العرفي المتقدّم ذكره مفصّلا ، كما ينظر إلى ذلك ما سيأتي من العناوين كقولهم : « هل الأمر بالشيء مطلقا يقتضي إيجاب مقدّماته أو لا؟ » و « إنّه هل يقتضي النهي
__________________
(١) النور : ٦٣.
(٢) الأعراف : ١٢.
(٣) إشارات الاصول للكلباسي : ص ٤٠.