في تحديدهما : بأنّ الأصلي ما فهم وجوبه بخطاب مستقلّ ـ أي غير لازم لخطاب آخر وإن كان تابعا لوجوب غيره ـ والتبعي بخلافه ، وهو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر وإن كان وجوبه مستقلاّ كما في المفاهيم ، ليس على (١) ما ينبغي إلاّ أن يكون الغرض إحداث اصطلاح جديد فلا مشاحّة.
فبما ذكر تقرّر أنّ العبرة في الأصلي بما كان مقصودا بالإفادة من الخطاب سواء كان مدلولا مطابقيّا حقيقيّا أو مجازيّا ، أو التزاميّا بيّنا بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ ، وسواء كانت الدلالة ناشئة عن اللفظ أو عن العقل بملاحظة اللفظ ، فيندرج فيه المفهوم بقسميه والمنطوق الصريح والغير الصريح إذا كان من باب دلالة الاقتضاء أو التنبيه والإيماء ، لأنّ الكلّ مقصود بالإفادة من الخطاب وإن استقلّ بإفادة بعضها الخطاب واحتاج في إفادة البعض الآخر إلى انضمام العقل إليه ، والمراد بالخطاب ما يعمّ اللفظي واللبّي ليشمل في الأقسام ما أثبته الإجماع أو أدركه العقل على نحو الاستقلال.
والعبرة في التبعي بما لم يكن مقصودا بالإفادة بل كان لازما للمقصود بتصرّف من العقل كما في دلالة الإشارة ، سواء كان في محلّ له مدخليّة في وجود محلّ ما هو المقصود كما لو كان موقوفا عليه كوجوب المقدّمات على القول بكونه غير أصلي ، أو لم يكن له مدخليّة بل كان من لوازمه بأن يكون بحيث لا ينفكّ وجود المأمور به عنه وإن لم يكن موقوفا عليه كالاستقبال إلى الامور الواقعة في جهة القبلة اللازم لاستقبال نفس القبلة حيثما وقع مأمورا به.
فالقول بأنّ الوجوب التبعي لا ينفكّ عن المقدّمة فعلى القول بعدم وجوبها مطلقا يلزم سقوط الواجب التبعي عمّا بين الواجبات ـ كما استفدنا عن الشيخ الاستاد دام ظلّه ـ ليس بسديد.
المطلب الرابع
فيما يتعلّق بالواجب باعتبار انقسامه إلى الشرطي وغيره
فاعلم أنّ هذا التقسيم تعرّض لذكره بعض الأجلّة ولكن لم نجده في سائر الكتب الاصوليّة ، وربّما يحكى توهّم أنّ هذا اصطلاح مستحدث من متأخّر المتأخّرين.
ويجاب : بأنّه ليس كذلك ، تعليلا بأنّه حكي عن الشهيد وصاحب المدارك تسمية
__________________
(١) وجهه : أنّه أدرج ما لو كان مستقلاّ من جهة المستفاد فقط في التبعي وهو خلاف ما يظهر من اصطلاحهم. ( منه عفي عنه ).