ولكن يشكل الأمر في ذلك من جهة أنّ المقدّمة لو اعتبر فيها قصد فإنّما هو قصد التوصّل إلى الغير الّذي هو ذو المقدّمة ، فكيف يجتمع ذلك مع جهة التعبّد الّتي يلزمها قصد امتثال الأمر بالمقدّمة من حيث كونه أمرا بها.
ويمكن دفعه : بتعميم الواجب التعبّدي بحيث يشمل المقدّمة الّتي لها جهة تعبّديّة ، بأن يقال في تعريفه : « إنّه ما كان الغرض الأصلي من الأمر به الامتثال وحصول التقرّب ، سواء كان ذلك الامتثال مطلوبا لنفسه بأن يكون غاية الغايات فهو ذو المقدّمة الواجب كالصلاة مثلا ، أو مطلوبا لأجل الامتثال بالغير والوصلة إليه فهو المقدّمة الواجبة كالوضوء مثلا.
وأمّا بالنسبة إلى الثالث وهو انقسامه إلى النفسي والغيري ، فالظاهر أنّ محلّ النزاع هو الوجوب الغيري ، بل هو المقطوع به إذا لم يقل أحد بالوجوب النفسي في المقدّمة ، بل ولو قاله أحد لبادرنا بتخطئته بعنوان الجزم ، لخروجه عن الاصطلاح واشتباهه لمحلّ النزاع بالغير.
وأمّا بالنسبة إلى الرابع وهو انقسامه إلى الأصلي والتبعي فلا إشكال في أنّ النزاع في وجوبها بالمعنى الثاني ، فلا ينبغي أن يكون في الوجوب الأصلي بالمعنى الّذي قدّمنا ذكره ، وهو أن يكون طلبه مقصودا بالخطاب بالأصل ، سواء سيق الخطاب لإفادته أو لإفادة طلب آخر يستفاد منه طلبه أيضا على سبيل الاستقلال.
والوجه في ذلك : أنّ كثيرا مّا نطلب شيئا مع الغفلة عن ذات مقدّمته فضلا عن طلبها فما يكون قابلا لهذا المعنى فلا معنى لوجوبه أصالة أصلا.
فما صرّح به بعض الأعلام من أنّ النزاع في الوجوب الأصلي تعليلا بخروج الوجوب التبعي من جهة الاتّفاق على الوجوب حينئذ عن محلّ النزاع ، اشتباه في محلّ النزاع فلا يعبأ به.
فعلى ما ذكرناه من أنّ النزاع في الوجوب التبعي يكون معنى العنوان : أنّ مقدّمة الواجب وإن لم يكن الشارع قصد طلبها عند طلب ذيها إلاّ أنّها مطلوبة له بالتبع بحيث لا يرضى بتركها لو التفت إليها لأجل أنّ تركها مفض إلى ترك ذيها.
فصار حاصل الفرق بين الواجب الأصلي والواجب التبعي هو الطلب التفصيلي والإجمالي ، أو الطلب الفعلي والشأني ، فالواجب الأصلي ما كان مطلوبا بالتفصيل أو بالفعل ، والتبعي ما كان مطلوبا بالإجمال أو بالشأن والقوّة ، وإن شئت تسمّيه بالأصلي.
ولعلّ توهّم من جعله في محلّ النزاع أصليّا يرجع إلى هذا المعنى ، فيكون النزاع بينه وبين غيره لفظيّا ولكنّه خلاف ما يقتضيه صريح كلامه.