سببا كانت أو شرطا أو غيرهما ممّا لا يلزم تصوّرها من تصوّر ذيها ، ولا من تصوّرهما معا وتصوّر النسبة بينهما الجزم باللزوم إلاّ بتوسّط ملاحظة كونها ممّا لابدّ منها لذيها عقلا أو شرعا أو عادة ، فتكون بالنسبة إليه حينئذ لازما غير بيّن بالمعنى الأعمّ ، فإذا كانت الحال في نفس المقدّمة هذه فطلبها بالقياس إلى طلب ذيها أولى بذلك ، لأنّا نجزم بأنّ الجزم باللزوم بين الطلبين لا يحصل إلاّ بعد ملاحظة ما ذكر من الوسط ، فمن يدّعي وجوب المقدّمة يدّعي كونه لازما غير بيّن بالمعنى الأعمّ والمنكر ينفي ذلك.
ثمّ إنّهم ذكروا للمسألة ثمرات ليس شيء منها بشيء
منها : ما يظهر في باب النذور والأيمان ونحوها ، فإنّ من نذر أن يأتي بواجب فأتى بمقدّمة واجب يكفيه في حصول الوفاء على القول بوجوب المقدّمة وإلاّ فلا وفاء.
ومن هذا الباب لو نذر الإتيان بواجبات عديدة فأتى بواجب مع مقدّماته ، فعلى القول بوجوب المقدّمة يحصل الوفاء بالنسبة إلى الجميع إن وافق المأتيّ به للمنذور في العدد وعلى القول الآخر لا وفاء إلاّ بالنسبة إلى واحد وهو الّذي يحصل بإتيان نفس الواجب.
وربّما يناقش فيه : بدعوى انصراف الواجب في النذر وغيره إلى الأصلي المستقلّ دون الغيري التابع لوجوب الغير.
ولا يخفى أنّها مناقشة في محلّها كما يظهر بأدنى تأمّل في بناء العرف ، مضافا إلى أنّ فائدة النذر وشبهه لا تعدّ من ثمرات المسائل الاصوليّة ، فإنّها فائدة تترتّب على المسألة ، ومن شأنها أن يذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهيّة عند التفريع وتعداد الفروع ولا مدخل لها في ثمرة المسألة الاصوليّة ، لأنّ ثمرة كلّ مسألة ما كان غاية مطلوبة من عنوان البحث عن تلك المسألة وهي الّتي تكون جزئيّا ممّا يقع مدلولا « للام » الغاية في قولهم : « اصول الفقه هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة » ومعلوم أنّ مسألة النذر وشبهه ليست بهذه المثابة ، بل هي من الفوائد الغير المقصودة الّتي تترتّب على المسألة بعد استنباط الحكم الفرعي الّذي هو الغاية المطلوبة.
ألا ترى أنّ ثمرة القول بكون صيغة « افعل » حقيقة في الوجوب يظهر في أوامر الكتاب وفي السنّة الواردة مجرّدة عن القرينة ، لوجوب حملها حينئذ على الوجوب ثمّ تترتّب بعد ذلك عليه فائدة النذر فيما لو نذر الإتيان بواجب فأتى بما تعلّق به الأمر بالصيغة.
ولا ريب أنّها لا تعدّ من ثمرات خلافهم في الصيغة ، بل هي من فوائد القول بكونها للوجوب.