ثمّ أخذ في الاحتجاج لما صار إليه ، وقال في جملته : « إنّ الأمر ورد في الشريعة على ضربين : أحدهما يقتضي إيجاب الفعل دون مقدّماته * ، كالزكاة والحجّ ، فإنّه لا يجب علينا أن نكتسب المال ، ونحصّل النصاب ، ونتمكّن من الزاد والراحلة. والضرب الآخر يجب فيه مقدّمات الفعل ** كما يجب هو في نفسه ، وهو الصلاة وما جرى مجراها بالنسبة إلى الوضوء.
__________________
الفاضل البحراني ـ في رسالته المعمولة في هذا الباب بعد نقل هذا القول ـ : وربّما لاح منه بعد تسليم الإجماع على وجوب الأسباب وجه خامس هو القول بوجوب السبب والشرط الشرعي.
واعترض عليه : بأنّه لا يخفى ما في هذه العبارة من الخفاء ، والأولى أن يقال : إنّه إن سلّم الإجماع على وجوب الأسباب فيكون هذا القول قولا بوجوب الشرط الشرعي والسبب دون غيرهما ويكون الأقوال ثلاثة ، وإن لم يسلّم الإجماع فيحتمل وجهين وجوب الشرط خاصّة دون غيره مطلقا ، ووجوب الشرط والسبب معا دون غيرهما ، وحينئذ يمكن ارتقاء الأقوال إلى خمسة » انتهى.
وذكر بعض الأجلّة مكان ذلك قولا آخر وهو ـ على ما حكي ـ كون الأمر بالمسبّب عين الأمر بالسبب ، مذيّلا له : بأنّ هذا في الحقيقة خارج عن المبحث.
وهذا ممّا يظهر حكايته عن المصنّف أيضا ، وكأنّ وجه خروجه أنّ النزاع في وجوب المقدّمة تبعا لوجوب ذيها ، والقول بأنّ وجوب المقدّمة هو المقصود بالأصالة من الأمر بذيها إذا كان مسببا لا مدخل له في هذا العنوان كما لا يخفى.
نعم ، القول الخامس المحقّق ما عثرنا عليه في كلام ابن إدريس في سرائره وإن لم نقف على من عدّه هنا من أقوال المسألة ، وهو التفصيل فيما لا يتمّ الواجب إلاّ به بين الغسل لصوم شهر رمضان الواقع قبل الفجر فيكون مندوبا ، وبين غيره مطلقا فيكون واجبا.
* بيان لما يكون من أوامر الشريعة مشروطا ، فإنّ الأمر المشروط ليس أمرا بمقدّماته إجماعا مقدورة كانت أو غيرها.
ولا يذهب عليك أنّ مراده بالمقدّمات ما يرجع إلى الوجوب فقط بقرينة قوله : « لا يجب علينا أن نكتسب المال ونحصّل النصاب » وفي حكمها ما يرجع إليه وإلى الوجود معا كما تقدّم.
** مراده بمقدّمات الفعل بقرينة المقابلة للضرب الأوّل ما يرجع إلى الوجود فقط ،