من غير زوجيّة يجوّز تقبيح الحكيم وتسفيهه.
فإن قلت : الطلب أمر إرادي منوط بالاختيار ، فللمختار أن يريده في موضع وأن لا يريده في آخر ، فليس ذلك نظير ما ذكر من اللوازم.
قلت : بعد قيام الدليل على أنّ طلب المقدّمة لازم لطلب ذيها ولا ينفكّ عنه ما دام ثابتا فالتصريح بنفيه مع ثبوت ملزومه ينافي الحكمة ، لأنّه بضابطة أنّ انتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم يؤدّي إلى نفي الملزوم أيضا وهو مع التصريح بثبوته أوّلا لا ينشأ إلاّ عن قلّة العقل وسفاهة الرأي.
ثمّ إنّ هذا الوجه وسابقه وإن ذكرهما المصنّف لنفي وجوب المقدّمة الشرطيّة إلاّ أنّ غيره من نفاة الوجوب مطلقا تمسّكوا بهما للنفي المطلق.
وقد حكي عنهم في المقام وجوه اخر لا بأس بأن نشير إليها وإلى ما يرد عليها فمنها : الأصل.
وفيه : إن اريد به أصالة البراءة فقد تقدّم أنّها غير جارية حتّى على القول بعدم الوجوب ، فإنّ الوجوب العقلي المعبّر عنه باللابدّية ثابت للمقدّمة على التقديرين ، فالذمّة مشغولة بايجادها كائنا ما كان للوصلة إلى امتثال الأمر بإتيان المأمور به. نعم لو فرض أنّ الوجوب الشرعي فيها ملزوم لاستحقاق العقاب على المخالفة لصحّ تقرير الأصل بحيث ينفي ذلك اللازم فيلزم منه نفي الوجوب أيضا ، ولكنّه بعد قيام البرهان على الملزوم نظرا إلى الأدلّة على الوجوب مع فرض استلزامه الاستحقاق المذكور في غير مجراه فلا تأثير له أصلا.
وإن اريد به أصالة عدم تعلّق الخطاب بها أو أصالة عدم حدوث الطلب بالنسبة إليها أو عدم الإرادة الحتميّة المتعلّقة بها فهو وإن كان في مجراه على فرض عروض الشكّ إلاّ أنّه بعد الأدلّة على الوجوب لا تأثير له أيضا.
ومنها : أنّ المسألة ممّا تعمّ به البلوى وتشتدّ إليه الحاجة ، فلو أنّ الحكم فيها كان هو الوجوب لقضت العطوفة والشفقة ببيانه والتنبيه عليه ، كما أنّ العادة اقتضت كثرة السؤال عنه والفحص عن تفاصيله ، والتالي باطل حيث لم يوجد لذلك في الأخبار ولا غيرها شيء من الآثار.
وفيه أوّلا : المعارضة بالمثل ، فإنّ الّذي تعمّ به البلوى إنّما هو ذات المقدّمة لا وجوبها ، فكما أنّ العادة تقضي في مثله بكثرة السؤال عن وجوبها فكذلك تقضي بكثرة السؤال عن عدم وجوبها ، كيف واحتمال الوجوب للجاهل به ملازم لاحتمال عدمه ، فالسؤال لو كان ولابدّ منه وكان كثرته من مقتضيات العادة لكان واقعا لتحقيق أحد الاحتمالين.