الواقع لا ينطبق إلاّ على القضيّة الشأنيّة.
بدعوى : أنّه سبحانه في كلّ واقعة جعل مصلحة مقتضية لشيء معيّن من الأحكام ، فهي باعتبار تلك المصلحة بحيث لو جامعت شرائط التكليف وفقدت موانعه لأرادها الله فعلا وطلبها تفصيلا ، ولا ينافيه كونه بالنسبة إلى المشافهين فعليّا ، لأنّ الكلام في غيرهم ولا يعقل فيهم الطلب الفعلي ما لم تجتمع الشرائط وانتفت الموانع.
وأمّا المصوّبة القائلة بأنّه ليس في الواقعة حكما معيّنا في الواقع قبل اجتهاد المجتهد وأنّه تابع لرأي المجتهد فيتعدّد بتعدّد الآراء ، فلابدّ من أن يرجع كلامهم إمّا إلى إنكار الصغرى وهي اشتمال الوقائع على المصالح المقتضية للطلبات الشأنيّة ، أو إلى إنكار الكبرى وهي كفاية القضايا الشأنيّة في انعقاد الأحكام الواقعيّة ، أو إلى دعوى مدخليّة العلم والجهل في تلك المصالح بزعم أنّها بالوجوه والاعتبارات وأنّ العلم والجهل من جملتها.
فإن قلت : الأحكام الواقعيّة في حقّ الجاهل وغيره من ذوي الأعذار مشروطة بزوال العذر ، فما معنى قولك : أنّها على التخطئة لا تنطبق إلاّ على القضيّة الشأنيّة؟
قلت : إن اريد به أنّ المشروط بزوال العذر فعليّة تلك الأحكام الّتي يعبّر عنها بالتكليف ، فهو لا ينافي لكون الثابت قبل حصول الشرط هو القضيّة الشأنيّة ، إذ المفروض تحقّق جميع مقتضيات الطلب الفعلي إلاّ الشرط المفروض فقدانه ، وإن اريد بأنّ المشروط به كلّ من الفعل والشأن فهو مقطوع بفساده لاستلزامه التصويب الباطل.
وأمّا المزيّف من الأدلّة فوجوه أيضا :
أوّلها : الإجماع ويقرّر بوجهين :
أحدهما : معناه اللغوي المعبّر عنه بالاتّفاق ، فإنّ من ملاحظة اتّفاق المثبتين لوجوب المقدّمة ـ وهم جماعة كثيرون جدّا ـ يحصل القطع بحقّيّة المورد.
والسرّ في ذلك : أنّه كما يحصل من الخبر المتواتر بملاحظة أنّ العادة تقضي بامتناع تواطؤ المخبرين مع كثرتهم على الكذب القطع العادي بصدقهم القاضي بحقّيّة المخبر به ، فكذلك يحصل من الاتّفاق بملاحظة أنّ العادة تقضي بامتناع تواطؤ القائلين مع كونهم جماعة كثيرة على الخطأ القطع العادي بإصابتهم الموجبة لحقيّة المتّفق عليه من غير فرق بينهما أصلا ، غير أنّ المقطوع به في الأوّل من الحسّيّات فلذا عبّرنا فيه بامتناع التواطئ على الكذب. وفي الثاني من الحدسيّات فلذا عبّرنا فيه بامتناع التواطئ على الخطأ ، نظرا