مصلحة الوجوب مشتملة على تلك المصلحة بعينها ، فيجب تعلّق الوجوب بها ، وهذا الاشتمال مفهوم من تعلّق الخطاب بالواجب المطلق فيكون وجوبها مفهوما منه بالتبع.
وفيه : إن أراد باشتمال المقدّمة على مصلحة الوجوب الكامنة في الواجب اشتمالها بالعرض ، بمعنى انتساب تلك المصلحة إلى الواجب بالذات وإلى مقدّمته بالعرض ، فهو غير مجد لأنّ غاية ما يلزم من ذلك ثبوت الوجوب للمقدّمة بالعرض ، وهو ليس من المتنازع فيه في شيء ، وإن أراد اشتمالها بالذات فهو كذب وافتراء فيلزم منه كذب المطلوب.
وثامن عشرها : ما حكاه عنه أيضا من أنّ ترك المقدّمة يشتمل على وجه قبيح لاقتضائه ترك الواجب وهو قبيح ، ومقتضي القبيح قبيح ، فتركها قبيح فيحرم ، فيجب الفعل ، وهو مفهوم من الأمر بالفعل ، فالأمر يدلّ على وجوبها.
وجوابه : يظهر بالتأمّل في جواب ما تقدّم من الوجه التاسع.
وتاسع عشرها : ما حكاه عنه أيضا من أنّ نكاح المشتبهة بالحرام ، ولبس أحد الثوبين المشتبهين في الصلاة مع وجود متيقّن الطهارة ، واستعمال أحد الإنائين ونحو ذلك حرام ، وليس ذلك إلاّ لوجوب اجتناب المحرّم والنجس وتوقّف اجتنابهما على اجتناب الآخر ، وإذا حرم الشيء من جهة أنّ تركه وسيلة للواجب كان تركه موصوفا بالوجوب من تلك الجهة.
وفيه : أيضا ما أشرنا إليه سابقا من منع كون ذلك مقدّمة للترك الواجب بالمعنى المصطلح ، وإنّما هو مقدّمة للعلم بحصوله.
نعم لو فرض العلم بحصوله واجبا اندرج ما ذكر من الأمثلة في موضوع البحث وليس ببعيد كما هو من مقتضى حجّية العلم الإجمالي ، لأنّ معنى كونه حجّة وجوب تحصيل الموافقة القطعيّة بمعنى القطع بالموافقة لا تحريم المخالفة القطعيّة فقط كما قد يتوهّم.
ولكن يبقى الكلام حينئذ في نهوض ذلك دليلا على الحكم الكلّي الّذي هو المتنازع فيه ، لأنّ ثبوت وجوب المقدّمة في الجملة بخطاب مستقلّ أصلي ليس ممّا ينكره أحد ، غير أنّه لا يجدي في ثبوت الوجوب بالنسبة إلى ما لم يرد فيه خطاب مستقلّ بالخصوص ، إلاّ على تقدير رجوعه إلى ما قرّرناه من الاستقراء في الشرعيّات أو كونه ممّا يحصل منه مناط مطّرد في جميع الموارد ، فيكون مرجعه حينئذ إلى الاحتجاج بتنقيح المناط.
ثمّ إنّه بقي من أقوال المسألة رابعها الّذي صار إليه ابن الحاجب ، وهو الفرق في المقدّمات بين الشرط الشرعي فيجب وغيره فلا يجب ، فينبغي قبل الشروع في ذكر