كلام الأصحاب ومجرى عباراتهم المتقدّمة.
وثانيها : ما كانت أجزاؤه عينيّة مع اعتبار الهيئة الاجتماعيّة في المطلوبيّة وهو في الشرعيّات قليل المثال بل عديمه ، وأمثلته في العرف فوق حدّ الإحصاء كما لا يخفى.
وربّما يتخيّل كون رمي الجمار من هذا الباب ، ولكنّه ليس بسديد إذ الغرض كون المركّب من الأجزاء العينيّة مأمورا به وهو في ذلك المثال متعلّق للمأمور به وهو الرمي ، فيرجع ذلك إلى النوع الرابع الّذي سنذكره.
ولك أن تقول : إنّ الأمثلة العرفيّة أيضا من هذا الباب كما لا يخفى ، ويرشد إليه أنّ الوجوب حكم تكليفي ولا يتعلّق إلاّ بالعمل ، والمركّب من الأجزاء العينيّة عين فلا يقع مأمورا به ، وإذا كان رجوع هذا النوع إلى النوع الآتي فيظهر حكمه فيما يأتي.
وثالثها : ما كانت أجزاؤه عينيّة مع عدم اعتبار الهيئة التركيبيّة في المطلوبيّة ، وهو أيضا كسابقه من كونه فرضا خارجا عن محلّ الكلام ، بل لا مصداق له فيما هو غرض أصلي من تعلّق حكم تكليفي ، وما يتخيّل من أموال الزكاة ومنزوحات البئر كونه من هذا الباب غير سديد لعين ما سبق ، فهو أيضا راجع إلى ما يأتي.
ورابعها : ما كانت أجزاؤه حدثيّة مع اعتبار الهيئة التركيبيّة في المطلوبيّة ومدخليّتها في الرجحان ، وأمثلته في الشرعيّات وغيرها كثيرة منها الصلاة والطواف ورمي الجمرات ، ومنه صيام النهار لتركّبه عن أجزاء على حسب تعدّد أجزاء الزمان ، فالّذي يدّعي حينئذ أنّ وجوب الجزء عين وجود الكلّ إن أراد به أنّه لا تغاير بين وجوديهما بالذات فكلّ ما صدق عليه أنّه وجود الجزء يصدق عليه وجود الكلّ بعنوان أنّه كلّ فهو خلاف البديهة ، كيف ووجود كلّ جزء ما يحصل له في زمانه الّذي يقع فيه وهو يغاير بالذات وجود الكلّ بعنوان الكلّيّة ، لأنّه عبارة عن مجموع تلك الوجودات المجتمعة من حيث المجموع ومن البيّن مغايرة المجموع لكلّ واحد.
وإن أراد به أنّ الكلّ ليس له وراء وجودات أجزائه وجود آخر بحيث يقع عليه الإشارة الحسّيّة غير ما يقع على ما في كلّ من أجزائه ، فهو مسلّم ولكنّه لا يلزم من ذلك اتّصاف كلّ جزء بالوجوب الّذي يتّصف به الكلّ ، فإنّ الواجب في الحقيقة حينئذ إنّما هو الهيئة الاجتماعيّة لأنّها الّتي يتصوّرها المولى ويطلبها ، وهي الّتي ينوط بها الرجحان الموجب للمطلوبيّة وجودا وعدما ، وهي الّتي ينشأ منها المصلحة الموجبة لذلك الرجحان