واحد من تلك الأبعاض على سبيل الاستقلال ـ حتّى يتحقّق بعبارة واحدة طلبات متعدّدة على حسب تعدّد تلك الأبعاض ، وإنّما أوتيت بتلك العبارة مع إمكان غيرها للتمكّن عن إعطاء الحكم بأخصر عبارتيه ، نظير ما قيل في الكلام الاستثنائي من أنّه جيء به لإعطاء الحكمين بأخصر العبارتين.
وممّا قرّرنا ينقدح خروج هذا النوع أيضا عمّا نحن بصدده ، إذ ليس وراء الأجزاء هنا واجب آخر ليكون كلّ واحد منها مقدّمة له ، بل الواجب نفس تلك [ الأجزاء ] وهو في الكلّ وجوب نفسي بل أصلي ولا يعقل لها عنوان آخر ليصلح موضوعا لبحثنا هنا.
وبقي الكلام فيما عرفته عن العلاّمة من الفرع المشتمل على توهّم كون الكون جزءا للصلاة المأمور (١) فعلى القول بوجوب المقدّمة لا يجوز أن يقع منهيّا عنه ، فإنّه كما ترى كلام بظاهره خال عن المحصّل ، لأنّ الصلاة ليست عبارة إلاّ عن الأكوان المجتمعة سواء اعتبرها بحسب المفهوم أو المصداق ، فكلّ كون جزء لها ولا يعقل لها سوى الكون جزء آخر مبائن له حتّى يكون ذلك الكون على تقدير وجوبه ـ بناءا على وجوب المقدّمة ـ ممّا لا يجوز أن يتعلّق به النهي ، إلاّ أن يراد بالكون المفهوم المردّد بين الحركة والسكون ، وبالجزء الآخر المقابل له ما يمتاز به الحركة عن السكون وهو عن الحركة ، بناءا على أنّ جزء الجزء جزء ، أو بالكون القدر المشترك بينهما وهو الفعل ، وبالجزء الآخر الماهيّات المخصوصة المعتبرة فيه شرعا ، أو بالكون ما يكون جنسا للحركة وبالجزء الآخر ما يكون فصلا لها.
ولكن يرد عليه حينئذ : ما قرّرناه من أنّ الأمر بالشيء باعتبار أجزائه العقليّة لا يعدّ عندهم من الأمر بالكلّ ليندرج في محلّ بحثهم هنا ، وكون الأمر بالصلاة من باب الأمر بالكلّ إنّما هو باعتبار أجزائها الخارجيّة وليس لها في الخارج أجزاء إلاّ الأكوان المخصوصة والحركات المعهودة ، فكلّ كون جزء وليس لها جزء يغايره ليترتّب عليه الفرع المذكور خاصّة كما عرفت ، فيكون ذلك من فروع وجوب نفس الصلاة لا من فروع وجوب مقدّمتها.
الأمر الثاني
وممّا اختلفت كلمتهم في وجوبه من باب المقدّمة وعدمه الإتيان بأمور يوجب العلم
__________________
(١) قيل الكون جزء الحركة والسكون ، لأنّ الحركة كون الشيء في مكان عقيب حصوله في مكان ، بمعنى : أنّه عبارة عن مجموع الكونين والسكون عبارة عن كونه في مكان بعد كونه في ذلك المكان ، فيكون هذا الكون مأمورا به لكونه جزءا للمأمور به. ( منه عفي عنه ).