« لا ريب في مطلوبيّة ترك كلّ واحد للتوصّل إلى الامتثال بفعل الآخر ».
وعلى أيّ حال كان فيرد عليه أيضا : أنّ المنع من الجمع إن اريد به ثبوته بقاعدة التشريع فهو ممّا لا مدخل له في محلّ البحث ، لأنّ المنع من الجمع غير المنع عن كلّ واحد ، لأنّه يرجع إلى المنع عن المجموع من حيث المجموع وهو لا يستلزم منع كلّ فرد من حيث الخصوصيّة ، كما في سلب العموم المغاير لعموم السلب ، والنقض إنّما يتمّ على الوجه الثاني دون الأوّل وإن اريد به ثبوته بنفس الأمر فهو في محلّ المنع ، إذ غاية مفاده نظرا إلى أخذ الترديد في مفهومه عدم كلّ واحد على طريق العامّ الاصولي وهو أعمّ من المنع.
ولو سلّم فهو منع عن الجمع لا عن كلّ واحد فيرجع الكلام إلى سابقه ، هذا مع ما في الجواب الثاني عن أوّل الإشكالين من ابتنائه على أصل فاسد له مبيّن فساده في بحث المقدّمة.
المرحلة الثانية
فيما يتعلق بكلمة « الاقتضاء »
فاعلم أنّها لغة لمعان كثيرة ، منها : ما هو من محلّ البحث وهو الدلالة والاستلزام ، واستعمالها فيهما في كلام العلماء فوق حدّ الكثرة ولا سيّما الدلالة ، وهي عبارة عن فهم المعنى من اللفظ ، فإن كان ذلك المعنى المفهوم تمام ما وضع له من حيث هو فالدلالة مطابقيّة ، وإن كان جزؤه كذلك فالدلالة تضمّنيّة ، وإن كان خارجة اللازم كذلك فالدلالة التزاميّة.
ثمّ إنّ هذا الخارج إن كان بحيث يحصل تصوّره بمجرّد تصوّر ملزومه فهو لازم بيّن بالمعنى الأخصّ ، وإن كان بحيث يحصل من تصوّره وتصوّر ملزومه وتصوّر النسبة بينهما الجزم بلزومه ، سواء حصل تصوّره بمجرّد تصوّر ملزومه أو لا فهو لازم بيّن بالمعنى الأعمّ ، وإن كان بحيث لا يحصل تصوّره بمجرّد التصوّر ولا الجزم بلزومه بمجرّد التصوّرات الثلاث بل كان يتوقّف العلم بلزومه على النظر في وسط وتوسيط واسطة فهو لازم غير بيّن ، وقد جرت عادتهم بالتعبير عن الأوّلين بالدلالة اللفظيّة وعن الأخير بالدلالة العقليّة.
ولعلّه من جهة أنّ فهم كونه لازما للمراد منوط بحكم العقل باللزوم نظرا منه في الخطاب مع الواسطة المشار إليها بخلاف الأوّلين لثبوت كونهما مرادين أو لازمين للمراد بنفس الخطاب من دون افتقار إلى وسط.
فتبيّن أنّ من خواصّه الافتقار إلى الوسط دونهما ، ومن خواصّه أيضا عدم كونه مقصودا بالخطاب أصالة بل هو لازم للمقصود دونهما ، ولذا يجعل الدلالة عليه تبعيّة وعليهما أصليّة