لا عدم القصد كما لا يخفى ، ولا ملازمة بين الالتفات والقصد إذ المراد بالقصد في مداليل الألفاظ ما يرادف الإرادة ، وهي في باب الدلالات عبارة عن طلب إفادة الاعتقاد وما في الضمير سواء بواسطة اللفظ أو غيره وهو أمر ينشأ بعد الالتفات والتصوّر فيكون أخصّ.
ومن البيّن عدم استلزام وجود الأعمّ لوجود الأخصّ.
ثمّ ما تقدّم للاّزم من الأقسام الثلاث إنّما هي وفي أصلها من مصطلحات أهل الميزان فجعلوها لتوابع الجثث والأعيان ولوازمها من حيث الوجود أو من حيث هي ، ولكنّ القوم توسّعوا في الاصطلاح فجعلوها لمطلق التوابع سواء قيست إلى الأعيان أو غيرها من الامور الخارجيّة أو الذهنيّة ، فلذا تراهم يجعلون المقدّمة من لوازم ذيها باعتبار وجوده الخارجي ووجوبها من لوازم وجوبه ، ثمّ طرّدوها إلى الدلالات اللفظيّة وجعلوا الالتزاميّة منها منقسمة إلى الأنواع الثلاث.
ولكن ينبغي أن يعلم أنّ تفسير الاقتضاء هنا بالدلالة اللفظيّة وإن توهّمه جماعة لا يلائم ما قدّمنا تحقيقه من كون الخلاف بينهم في الملازمة العقليّة ولا ينافيها القول بالتضمّنيّة والعينيّة فيما بين الأقوال لما ستعرف ، فلابدّ من تفسيره « بالاستلزام ».
ولذا ترى في بعض العنوانات التعبير به دون « الاقتضاء » ولمّا أنّهم مع الخلاف في أصل « الاقتضاء » اختلفوا في كيفيّته من حيث العينيّة والتضمّن والالتزام فلابدّ من أن يراد « بالاستلزام » ما يعمّ الجميع ، وإن كان قد يستبعد إرادة العينيّة من لفظ « الاقتضاء » إلاّ أنّه وارد في غير محلّه ، من جهة أنّ « الاقتضاء » بمعنى الاستلزام على الوجه الأعمّ يراد به عدم الانفكاك أو استحالته ، وكما أنّ اللازم لا ينفكّ عن ملزومه والجزء عن الكلّ فكذلك الشيء عن نفسه ، فقول القائل بالعينيّة « أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه » يراد به أنّه مستحيل الانفكاك عنه لكونه عينه ، ولا بعد فيه أصلا وإن كان الإطلاق عليه قليلا.
المرحلة الثالثة
فيما يتعلّق بكلمة « النهي »
فاعلم أنّ النهي كالأمر يطلق تارة على ما هو من مقولة الألفاظ. واخرى على ما هو من مقولة المعاني ، إلاّ أنّ المراد به هنا هو الثاني وإن كان القول بالعينيّة قد يومى إلى إرادة الأوّل ، بناءا على بعض محتملاته من إرادة الترادف بين صيغتي الأمر والنهي ، غير أنّه