لنا وجوه ، الأوّل : أنّا نقطع بأنّ السيّد إذا قال لعبده : « افعل كذا » فلم يفعل عدّ عاصيا وذمّه العقلاء *
__________________
جملة منها لآخر نظر واضح يظهر بأدنى تأمّل ، وعلى كلّ تقدير فقد اتّفقوا على عدم كونها حقيقة في الجميع ، بدعوى اختصاص وضعها بالبعض ، ولكنّهم اختلفوا في تعيين ذلك البعض على أقوال عرفتها مشروحة ، إلاّ أنّ المصنّف صار إلى أنّ ذلك البعض هو الوجوب خاصّة دون غيره ، وأنّ ما عداه معاني مجازيّة تعرف من الخارج ، وهو الراجح في النظر القاصر.
* ولا يخفى أنّ ذلك إحراز لصغرى القياس في أخصّ موارده ، واستدلال على الملزوم بأظهر لوازمه ، فإنّ المقصد الأصلي في المقام إنّما هو التمسّك بالتبادر الّذي هو من شواهد الوضع وعلائم الحقيقة ، ولمّا كان ذلك من الامور الباطنيّة الّتي قد تعتريها أيادي الإنكار وكثيرا مّا لا تجدي نفعا في إفحام الخصم وإسكاته وقطع العذر عليه فاحتجّوا بما هو محسوس من لوازمه ، وهو ذمّ العقلاء عبدا ترك الامتثال بمقتضى الصيغة الصادرة عن سيّده ، الكاشف عن تبادر الوجوب إلى أذهانهم وكونه ممّا فهمه العبد أيضا فخالف ، وهو
__________________
الأوّل : الإيجاب كقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ).
الثاني : الندب كقوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً).
الثالث : الارشاد كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ). وهذه الثلاثة مشتركة في طلب تحصيل المنفعة إلاّ أنّ المصلحة في الأوّلين اخرويّة وفي الثالث دنيويّة ، إذ الثواب لا ينقص ولا يزداد بالإشهاد ولا بعدمه.
الرابع : التهديد كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ).
الخامس : الإهانة كقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).
السادس : الدعاء مثل (رَبِّ اغْفِرْ).
السابع : الإباحة كقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا).
الثامن : الامتنان كقوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ).
التاسع : الإكرام كقوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ).
العاشر : التسخير كقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
الحادي عشر : التعجيز كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
الثاني عشر : التسوية نحو (فَاصْبِرْ) أو لا تصبر.
الثالث عشر : التمنّي نحو « ألا يا أيّها الليل الطويل ألا انجلي ».
الرابع عشر : الاحتقار نحو بل (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ).
الخامس عشر : التكوين نحو (كُنْ فَيَكُونُ) ( منه عفى عنه ).