كون المقصود بأصل البراءة هنا نفي العقاب خاصّة ، وهو كما أنّه ينفي العقاب حيثما يجري كذلك ينفي ما هو ملزوم له وهو الطلب الشرعي المتعلّق بالمكلّف فعلا.
ونظير ذلك الاعتراض في وروده على خلاف التحقيق ما في كلام بعض الأجلّة من الاعتراض على الاستصحاب ، بأنّه : يقتضي يقينا سابقا وعدم اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ ليس له زمان يقين في السابق حتّى يحكم ببقائه في اللاحق بحكم الاستصحاب ، إذ ليس المراد بالمستصحب هنا عدم الاقتضاء الّذي هو من أحوال الأمر حتّى يتوجّه أنّه لم يكن متيقّنا في شيء من الآنات ، بل عدم الطلب الّذي هو سابق على ورود الأمر بل على جميع الامور الوجوديّة المسبوق وجودها على العدم الأزلي.
ولا ريب في كونه متيقّنا إلى زمان وجود المكلّف وبلوغه وورود الأمر المتعلّق به ، فصار مشكوكا في بقائه بالنسبة إلى أضداد المأمور به بعد القطع بانتقاضه بالنسبة إلى نفس المأمور به كما عرفت.
نعم على القول باقتضاء عدم الأمر لا يجري من الاصول إلاّ أصالة عدم التخصيص أو التقييد في العبادات ، لاشتراكه مع القول بنفي الاقتضاء مطلقا في موافقة أصل البراءة والاستصحاب كما لا يخفى.
الثالث في ثمرات المسألة :
واعلم أنّ ثمرة كلّ مسألة هي الغاية المطلوبة عن عقد تلك المسألة والبحث عنها ، وظاهر أنّ المسائل الاصوليّة قواعد عقدت لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، فيكون غايتها المطلوبة عنها من حيث كونها مسائل اصوليّة استنباط الأحكام.
ومن البيّن أنّه من وظيفة الفقيه ومحلّه الفقه ، وكيفيّته على ما أشرنا إليه في صدر المسألة أن يؤخذ المسائل الاصوليّة كبريات في الاستدلالات المسائل الفقهيّة الّتي صغرياتها قضايا فرضيّة لكون موضوعاتها امورا فرضيّة ، نظرا إلى أنّ الفقيه إنّما يبحث عن أحوال موضوع بحثه من حيث كونه أمرا فرضيّا وإن كان له وقوع في الخارج ، لئلاّ يخرج عن موضوع بحثه ما لا وقوع له في الخارج من الفروض أصلا ، فالنتيجة الحاصلة من تلك الاستدلالات مسألة فقهيّة واستنباطها بالكيفيّة المذكورة ثمرة المسائل الاصوليّة ، فلا يلزم الاتّحاد بين ثمرة علم ومسألة علم آخر.
وعلى هذا فثمرة تلك المسألة على القول باقتضاء الأمر للنهي إنّما هو استنباط التحريم