عمّا هو الفاسد.
وبقي من أقوال الضدّ العامّ قولان آخران :
أحدهما : القول بنفي الدلالة رأسا ، وهو محكيّ عن السيّد منّا والأشاعرة من العامّة.
وقد يعترض عليه : بأنّ عدم دلالة الأمر على النهي عن الضدّ العامّ غير معقول ، وإلاّ لزم خروج الواجب عن كونه واجبا.
وفيه : أنّه استبعاد محض ولا يعتدّ به في أمثال المقام ، لجواز أن يقول أحد في الضدّ العامّ بنحو مقاله النافي للدلالة في الضدّ الخاصّ ، فإنّه يقول بأنّا لا نستفيد عن قوله : « صلّ » ونحوه حكما من الأحكام بالنسبة إلى الأكل والشرب وغيرهما من الأضداد الوجوديّة ، لما يقع كثيرا من الغفلة للآمر عن جميع تلك الأضداد ومعه لا يعقل طلب تركها ، فيجوز أن يقول النافي هنا بأنّا لا نستفيد عن قوله : « صلّ » ونحوه حكما من الأحكام لترك الصلاة لا تضمّنا ولا التزاما.
أمّا الأوّل : فلأنّ مدلول « الأمر » طلب إلزامي متعلّق بالفعل وليس تحريم الترك جزءا منه.
وأمّا الثاني : فلأنّ « الأمر » وإن استلزم النهي شأنا إلاّ أنّه لا يفيد التحريم الّذي هو الغرض ، لوجوب كون الطلب المعتبر فيه طلبا فعليّا ، بدعوى عدم كفاية الطلب الشأني في انعقاد الحكم الشرعي ، ولا يلزم بذلك خروج الواجب عن الوجوب وانقلابه مندوبا ، لأنّ الطلب الإلزامي يستلزم عدم الرضا بالترك وكراهته النفسانيّة ومرجوحيّته في حدّ ذاته واشتماله على المفسدة ونحو ذلك من اللوازم ، بخلاف الندب فإنّه يستلزم أضداد هذه المذكورات واختلاف اللوازم دليل على اختلاف الملزومات.
فإن قلت : لعلّ النافي للدلالة ربّما يفسّر الوجوب بطلب الفعل مع المنع عن النقيض كما هو المعروف ، فيتوجّه إليه الاعتراض نظرا إلى أنّ النقيض لا يراد به إلاّ الترك ، كما أنّ المنع عنه لا يراد به إلاّ النهي عن الترك ، ومعه كيف يعقل خلوّ الترك عن الحكم التحريمي.
قلت : لعلّه يريد من المنع ثاني ما تقدّم من المعاني ، وهو إظهار عدم الرضا بالترك المعرّى عن الطلب الفعلي ، والمفروض أنّ المعتبر في انعقاد التحريم إنّما هو الطلب الفعلي.
وكيف كان فالمحكيّ من حجّة هذا القول أنّه لا دلالة للأمر بالشيء على النهي عن ترك المأمور به بشيء من الدلالات الثلاث ، أمّا المطابقة فلضرورة أنّ الأمر بالشيء ليس بعين النهي عن تركه ، وأمّا التضمّن فلأنّ مدلول الأمر طلب بسيط إلزامي متعلّق بالفعل