لثبت قول الكعبيّ بانتفاء المباح * ،
__________________
اتّصاف كلّ من المتلازمين بحكم من الأحكام الخمسة المعروفة مضادّ لما اتّصف به الآخر لو صحّ وأثّر لثبت قول الكعبي.
* وهذه شبهة معروفة عن أبي القاسم الكعبي وقد تقدّم منّا في بحث المقدّمة ما يدفعها ، واتّفق الجمهور على بطلانها ، وقد يعبّر عنه بعكس عنوان المسألة وهو : أنّ النهي عن الشيء لا يستلزم الأمر بضدّه ، ولازم مذهب الكعبي أنّه قائل بالاستلزام.
واختلفت كلمتهم في تقريره وبيان مراده ، فمنهم من يستفاد منه أنّه قائل بوجوب المباح لذاته لكونه عين ترك الحرام وهو واجب لذاته ، كما في المنية عند نقله احتجاج هذا القول بأنّ المباح ترك الحرام وترك الحرام واجب فالمباح واجب.
ويستفاد ذلك عن المدقّق المحشّي أيضا في قوله : وذكروا في تقرير شبهة الكعبي أنّه ما من مباح إلاّ وهو ترك حرام ، فإنّ السكوت ترك للقذف والسكون ترك للقتل ، وترك الحرام واجب.
ومنهم من يستفاد منه ـ كما في مختصر الحاجبي وبعض شروحه ـ كونه قولا بوجوب المباح بالعرض الغير المنافي لإباحته بالذات ، حتّى أنّ العضدي جعله وجه جمع بين هذا القول وإجماعهم على وجود المباح ، حيث قال ـ في عبارته المحكيّة ـ : و « نؤوّل الإجماع على ذات الفعل لا بالنظر إلى ما يستلزمه جمعا بين الأدلّة ».
وذكر في شرح هذا الكلام : « أنّه إشارة إلى جواب سؤال وارد على الكعبي ، وتوجيه السؤال : أنّ الدليل الّذي ذكره الكعبي على أنّ كلّ مباح واجب يقتضي كون أفعال المكلّفين الّتي تعلّق بها الأحكام أربعة ، ضرورة كون المباح حينئذ واجبا وهو خلاف الإجماع ، لأنّ الجمهور أجمعوا على أنّ الأفعال تنقسم إلى خمسة واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرّم ، فيكون الدليل المذكور باطلا.
وتقرير الجواب : أنّ الإجماع يحمل على أنّ الأفعال نظرا إلى ذاتها مع قطع النظر عمّا يستلزمها من كونها تحصل بها ترك الحرام تنقسم إلى الخمسة ، فيكون الفعل المباح نظرا إلى ذاته لم يخرج عن كونه مباحا ، وبالنظر إلى ما يستلزمه من كونه تحصل به ترك الحرام يكون واجبا ، وإنّما أوّل الإجماع على هذا ليكون جمعا بين الدليلين » انتهى.