التخيير فهذا يرجع إلى التخيير الشرعي ، إذ لا نعني بالتخيير الشرعي إلاّ طلب أمور شرعا ولو بلسان العقل على سبيل التخيير كما في الخصال فكون محلّ البحث من هذا الباب أوّل الكلام ، وما اعترفنا به سابقا من ثبوت التخيير العقلي ليس معناه الطلب العقلي المتعلّق بأحد الأفراد لا بعينه ، بل حكمه بكون المكلّف مخيّرا في الامتثال بالكلّي المأمور به بين الأفراد المنطبقة عليه.
وإن أردت به أنّ العقل إذا وجد تعلّق الأمر بعنوان كلّي ولم يجد تخصيصا في المقام حكم بحصول الامتثال بذلك العنوان الكلّي في ضمن فرد من أفراده ، فهذا بعينه هو الانطباق الّذي ادّعينا كونه كافيا في الامتثال وقلنا : إنّه ليس منوطا بالطلب.
لا يقال : إنّ الّذي سمّيته بانطباق الفرد على الكلّي هو الّذي يعدّ أمرا في العرف ، وحكمه حكم الأمر الصريح في صحّة العمل وسقوط التكليف وحصول الإجزاء وترتّب الثواب والعقاب والإطاعة والعصيان وغيرها من أحكام المأمور به سمّيته بالأمر أو لا.
ولا ريب في استحالة هذا الانطباق في أحد الضدّين على وجه يؤثّر في الصحّة مع تعلّق الأمر بالضدّ الآخر.
لأنّا نقول : بمنع ذلك ، فإنّ القبح والاستحالة من خصائص تعلّق الطلب بالضدّين ، فلا يثبت لطلب أحدهما وانطباق الآخر على المطلوب ، والأحكام المذكورة تعمّ كلاّ من الطلب والانطباق على المطلوب ، ولكن الانطباق على المطلوب لا يستلزم الطلب.
فما ذكره بعض الأفاضل في دفع كلام بعض الأعلام في هذا المقام الراجع بنوع من التقريب إلى ما ذكرناه من قوله : « أنّه لا كلام في جواز صدور التكليفين في الجملة على الوجه المذكور إذ لا مزاحمة بينهما ، وإنّما المقصود في المقام أنّ التكليف بالمضيّق يقتضي تقييد الأمر بالموسّع فيفيد عدم تعلّق الأمر بالموسّع في حال التكليف بالمضيّق إلى آخره » ليس على ما ينبغي ، كيف وأنّا نطالب بدليل ذلك التقييد من حيث كونه على خلاف الأصل ، ولا دليل عليه إلاّ ما ذكر وقد تبيّن فساده.
وأجاب الفاضل المشار إليه عن أصل الشبهة بنحو ما ذكره في دفع الثمرة المعروفة من فساد العبارة على القول باقتضاء الأمر للنهي ، فقال : « بأنّ المسلّم من اقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه هو ما إذا كان الأمران في مرتبة واحدة ، بأن يراد من التكليف بهما الإتيان بهما معا ، وأمّا لو كان التكليفان في مرتبتين يراد منه الإتيان بأحدهما على سبيل التعيين