في عكسه ، ولكنّه غير ثابت.
نعم أصل الخلاف في الجملة ثابت ، إذ قد عرفت أنّ الكعبي صار إلى أنّ النهي عن الشيء أمر بضدّه الخاصّ تمسّكا بما تقدّم من الوجوه وتبيّن جوابها بما لا مزيد عليه ، وخالفه أكثر العامّة وإن نسب إلى القاضي منهم موافقته له على ما في كلام بعض الأفاضل وجميع الخاصّة إلاّ في موضع الاستثناء المتقدّم إليه الإشارة ، وأمّا اقتضاؤه الأمر بالضدّ العامّ كاقتضاء قوله : « لا تزن » الأمر بترك الزنا ، فالحقّ أنّه ممّا لا يعقل ، إذ الترك إذا فرضته موردا للنهي الّذي هو عبارة عن الطلب الحتمي للترك فكيف يعقل معه فرضه موردا للأمر الّذي هو طلب للفعل إلزاما ، مضافا إلى اقتضائهما طلبين وليس في المقام إلاّ طلب واحد متعلّق بالترك ، وهو إذا كان نهيا فأيّ شيء يبقى لكونه أمرا.
فتحقيق المقام : أنّ النهي عن الشيء لا يقتضي الأمر بضدّه العامّ أصلا ، إذ ليس طلب الترك حتما إلاّ مفاد النهي إلاّ أن يعبّر عنه بالأمر مجازا أو مسامحة وهو ممّا [ لا ] ربط له بالمقام.
نعم هو يقتضي المنع عن الفعل تضمّنا على حسبما هو مأخوذ في مفهوم « الأمر » بالقياس إلى الترك ، بمعنى أنّ النهي عن الشيء تحريما طلب لترك ذلك الشيء مع إظهار كراهة فعله وعدم الرضا به وهذا هو الّذي يعبّر عنه بالحتم والإلزام وليس مفاده إلاّ مفاد الحتميّة بعينه حسبما هو مأخوذ في مفهوم النهي المقابل للأمر.
ومن هنا تبيّن أنّ النهي التنزيهي عن الشيء أيضا لا قضاء له بالأمر مطلقا بضدّه عامّا وخاصّا ، فترك المكروه ليس بمندوب كما أنّ فعل ضدّه الخاصّ لا يكون مندوبا.
وأمّا ما يقال : من أنّ الظاهر أنّه لا ضير في اقتضائه لاستحباب الضدّ العامّ تعليلا بأنّ الفرار عن المنقصة مطلوب عند الشارع ولا نعني بالمستحبّ إلاّ ما كان مطلوبا ومحبوبا ، فليس بشيء ، إذ مطلوبيّة الفرار عن المنقصة ليست إلاّ مفاد الكراهة وطلب الترك الّذي هو عبارة اخرى من الفرار عن منقصة الفعل ، ولا ريب أنّ مثل ذلك لا يعدّ استحبابا إلاّ أن يكون اصطلاح آخر فلا مشاحّة حينئذ.
هذا آخر ما أوردناه في تلك المسألة حسبما ساعدنا عليه الوسع والطاقة.
إلى هنا انتهى الجزء الثالث من هذه التعليقة المباركة ـ حسب تجزئتنا ـ
ويتلوه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى
وأوّله : بحث في الواجب المخيّر