ذلك ، ويترتّب الامور المذكورة الزائدة عليه على مخالفة التكليف التحريمي التفاتا إلى بلوغها في شدّة القبح حدّا أوجبها ، بل الظاهر بملاحظة قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )(١) ترتّب الأوّل على الأوّل ، حيث لم يذكر فيها شيء من الاستكبار والإنكار ، وإنّما علّق الذمّ على مجرّد فسقه عن أمر ربّه الّذي هو عبارة عن الخروج عن الطاعة ، كما أنّ الظاهر بملاحظة الآيات الاخر ترتّب الثاني وهو الطرد والرجم واللعن على الثاني وهو الاستكبار والإنكار الموجبان للكفر ، نظرا إلى لفظة « الفاء » الظاهرة في ترتّب ما بعدها على ما قبلها على ما يساعده الفهم والعرف ، كما في قوله تعالى بعد قول إبليس ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )(٢)( قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ )(٣) وقوله في آية اخرى بعد قول إبليس ( لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ )(٤)( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ )(٥) وقوله في آية ثالثة بعد قول إبليس ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )(٦)( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ )(٧).
وممّا يشهد بترتّب الكفر على الاستكبار دون ترك السجود من حيث هو قوله تعالى في آية رابعة ( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ )(٨) ، (٩) فلا منافاة بين كونه موجبا للطرد والرجم واللعن وكون ترك السجود موجبا لمجرّد الذمّ والتوبيخ ، لما أشرنا إليه من تفاوت مراتب القبح الثابت في المخالفة مع تعدّد التكاليف الموجب مخالفة كلّ شيء بحسب مرتبتها.
فمع ما ذكرنا من القرائن والشواهد لا ينبغي لأحد الارتياب في وجوب السجود الّذي دلّ عليه الصيغة مجرّدة عن القرائن المقتضية للدلالة ، بإبداء احتمال كونه مندوبا من دون قيام شاهد عليه من حال ولا مقال ، فإنّ هذا من الاحتمالات السوداويّة الّتي لو دارت عليها الخطابات الشرعيّة لانخرمت أساس الشريعة بالمرّة ، وانهدمت عماد الدين والطريقة ، بل
__________________
(١) الكهف : ٥٠. (٢) الأعراف : ١٢.
(٣) الأعراف : ١٣. (٤) الحجر : ٣٣.
(٥) الحجر : ٣٤ ـ ٣٥. (٦) ص : ٧٥.
(٧) ص : ٧٦ ـ ٧٧.
(٨) البقرة : ٣٤.
(٩) ومن الآيات الشاهدة ببعض ما ذكر قوله تعالى في سورة بني اسرائيل ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ ابليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ) ( منه ).