انسدّت أبواب الاستدلال بالكتاب والسنّة.
ومنها : أنّ غاية ما يستفاد من الآية هو كون صيغة الأمر في عرف الملائكة دالّة على الوجوب قبل نزول آدم إلى الأرض ، وإفادة صيغة الأمر في لسانهم له لا تقضي بدلالتها عليه عندنا.
ويدفعه : أنّ الغرض الأصلي من الاستدلال بالآية إثبات كون صيغة الأمر المحكيّ عنها الصادرة للملائكة مفيدة للوجوب وهو حاصل بما ذكر في وجه الاستدلال ، سواء وافقتها الصيغة المحكيّة الواقعة في الآية بحسب الجنس أو لا.
فإن وافقتها فلا كلام ، غاية الأمر خروج الحاجة ماسّة إلى ضمّ شيء من الاصول إليها كأصالة عدم النقل ، أو أصالة عدم تعدّد الوضع مضافة إلى أصالة التشابه الّتي مدركها غلبة التطابق في أوضاع الألفاظ ومعانيها بالنسبة إلى الأزمنة والألسنة ، ولا بأس به بعد وضوح الحجّة على الاعتبار.
وإن خالفتها فكذلك إذ الظاهر من ملاحظة بناء العرف في موارد الحكاية توارد المحكيّ والمحكيّ عنه على وصف واحد وإن تخالفا بحسب الذات ، فكما كانت الصيغة المحكيّ عنها حقيقة في الوجوب فهكذا تكون الصيغة المحكيّة ، مع أنّ الظاهر من ملاحظة الغلبة والاستقراء توافق اللغات المتبائنة في معاني هيئاتها والأوضاع الراجعة إلى تلك الهيئات ، كما لا يخفى على من لاحظ الهيئات المتداولة في لغة الفرس واللغة التركيّة واللغة العربيّة وغيرها. وإن شكّ في الموافقة والعدم فحاله قد اتّضح ممّا مرّ ، إذ المشكوك فيه بحسب الواقع غير خال عن أحد القسمين.
وأمّا ما ذكره بعض الأعلام في دفع الإشكال من أنّ حكاية أحوال كلّ أهل اللسان لآخرين إنّما يصحّ من الحكيم إذا تكلّم بما يفيد المطلب من لسان الآخرين ويستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم ، فإن رجع إلى ما ذكرناه ففي غاية المتانة وإلاّ فللنظر فيه مجال (١).
ومنها : أنّ أقصى ما تدلّ عليه الآية إنّما هو دلالة الصيغة الصادرة منه تعالى على الوجوب ، وهو ليس من إثبات الدلالة عليه بحسب اللغة كما هو المطلوب.
__________________
(١) وجهه : أنّ ما يقتضيه حكمة الحكيم إنّما هو نقل المطلب بعبارة وافية بتمامه ، سواء وقع التعبير بلفظ حقيقي أو مجازي ، وسواء حصلت الموافقة بين المعبّر والمعبّر عنه أو لم يحصل. ( منه ).