ويدفعه : أصالة عدم اختصاصه تعالى بوضع آخر مغاير لما في اللغة والعرف ، ومرجعها إلى أصالة عدم طروّ الوضع الجديد للصيغة بتصرّف منه تعالى على تقدير كون الواضع بشرا ، أو بتصرّف البشر على تقدير كونه تعالى واضعا ، سواء كان ذلك من باب النقل أو الارتجال ، وأصالة عدم تعدّد الوضع الطارئ لها على تقدير اشتراكها بين معنيين اختصّ أحدهما به تعالى والآخر بالبشر.
ومنها : أنّ غاية ما يستفاد عن الآية دلالة الصيغة الصادرة من العالي على الوجوب ، وأمّا دلالة صيغة « افعل » عليه مطلقا كما هو المأخوذ في العنوان فلا.
ودفعه : بأنّ احتمال مدخليّة العلوّ في الدلالة إمّا من باب القرينة أو من باب الوضع ، فإن كان الأوّل فقد اتّضح جوابه عمّا قرّرناه في شرح قوله : « والمراد بالأمر اسجدوا » وإن كان الثاني فقد اتّضح ردّه عمّا ذكرناه في دفع الاعتراض السابق ، مضافا إلى أصالة التشابه المستفادة عن غلبة الاتّحاد بين الأقوام والطوائف.
ومنها : أنّ ما يستفاد من الآية دلالة « الأمر » على الوجوب من دون انضمام القرينة ، وأمّا كون تلك الدلالة بالوضع بخصوصه فغير معلوم ، إذ قد يكون ذلك للدلالة على الطلب وظهور الطلب في الوجوب ، كما نشاهد في لفظ « الطلب » الموضوع للأعمّ مطلقا ، فما يدلّ عليه الآية أعمّ من المدّعى.
والجواب : أنّ تسليم الدلالة على الوجوب من دون انضمام القرينة مع إبداء احتمال كون ذلك دلالة على الطلب الظاهر في الوجوب كما ترى متدافعان ، فإنّ المقدّمة الثانية لا تستقيم إلاّ مع فرض الانصراف إلى الفرد الكامل كما يزعمه المورد.
ومن البيّن أنّه لا يتأتّى من دون ملاحظة كمال الفرد فيدخل ذلك في عداد القرائن ، غاية الأمر كونه من باب القرينة المفهمة.
فمحصّل دفع ذلك أنّ مناط الاستدلال بالآية إنّما هو انتفاء القرائن الموجبة لفهم الوجوب مطلقا ، من غير فرق فيها بين كونها على جهة الصرف أو الإفهام ، فإن ثبت ذلك بدلالة قطعيّة وإلاّ فالأصل كاف في نفي الجميع جزما ، ومعه لا يبقى للدلالة وجه إلاّ وضع الصيغة.
ومنها : أنّ « الأمر » بالسجود المتوجّه إلى الملائكة وارد عقيب الحظر ، لحرمة السجود لغير الله تعالى بالاتّفاق وقبحه بالذات ، والأمر الواقع عقيب الحظر علما أو ظنّا أو احتمالا أو وهما لا يفيد إلاّ رفع الحظر ، كما أنّ النهي الواقع عقيب « الأمر » لا يفيد إلاّ رفع الوجوب ،