أمّا المقام الأوّل : فمستند المنكرين فيه يرجع إلى أمرين :
أحدهما : منع وجود المقتضي للأخذ بظواهر الكتاب الّتي لم يقصد بها إفهام غير من خوطب به كالنبيّ والوصيّ ، تمسّكا بقوله عليهالسلام : « إنّما يعرف القرآن من خوطب به » (١) فإنّ المقتضي للأخذ بالظاهر مركّب من مقدّمتين :
أحدهما : كون هذا الظاهر مرادا به الإفهام.
والاخرى : قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه من جهة لزوم الإغراء بالجهل لولا كون المراد به ظاهره ، وظواهر القرآن لعدم القصد بها إلى إفهام غير النبيّ والوصيّ فاقدة للمقدّمة الاولى.
ومن البيّن أنّ انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكلّ فلا مقتضي أصلا.
وثانيهما : دعوى وجود المانع من الأخذ بظواهره ، وهو إمّا الإجمال العرضي الطارئ لظواهره ، لكثرة ما تطرق إليها من التأويل بالتخصيص أو التقييد أو غيرهما من أنحاء التجوّز وأنواع الكناية ، فصارت من قبيل الألغاز والمعمّيات ، أو نهي الشارع عن الاستناد إلى القرآن مستقلاّ من غير تفسير الأئمّة عليهمالسلام وبيانهم المراد من ألفاظه ، المستفاد من الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي.
ثمّ الأصل الأوّلي المتقدّم تأصيله في حرمة العمل بغير العلم يقتضي عدم جواز الأخذ بظواهره لما يصدق عليه من أنّه عمل بغير العلم ، وها هنا أصل آخر يوافقه في اقتضاء المنع من العمل بها ، وهو أنّ الأصل عدم إرادته تعالى بتلك الظواهر إفهام المطلب وتفهيم المقصد.
والفرق بينه وبين الأوّل واضح من حيث عموم الموضوع وخصوصه ، فإنّ موضوع الأوّل هو العمل بغير العلم الّذي منه الظواهر ، وموضوع الثاني هو العمل بالظواهر خاصّة.
نعم ها هنا أصل ثالث هو بالقياس إلى أصالة التحريم مخصّص ، وبالقياس إلى أصالة عدم إرادة الإفهام وارد ، وهو أنّ الظاهر في كلّ متكلّم بحكم الغلبة ـ جنسيّة ونوعيّة وصنفيّة ـ أن يكون كلامه مقصودا به اللفظ والمعنى وإفهام المعنى المقصود بواسطة ظهور ذاتي كما لو كان اعتماده على وضع اللفظ ، أو ظهور عرضي فيما لو كان اعتماده على ما عدا الوضع من القرائن اللازم وجودها لئلاّ يلزم الإغراء بالجهل حاليّة أو مقاليّة أو عقليّة.
وقضيّة هذا الأصل أنّا في غناء عن تجشّم الاستدلال لإثبات حجّيّة ظواهر الكتاب وجواز
__________________
(١) الكافي ٨ : ٣١٢ / ٤٨٥.