أوصيائه عليهمالسلام ، وهو الّذي يقبل كلاّ من علم المكلّف وجهله به ، ويقبل الغفلة عنه والالتفات إليه ، فهو بمجرّده ليس مناطا لوجوب الإطاعة وحرمة المعصية ، ولا يدور عليه استحقاق الثواب والعقاب ، بل المناط في وجوب الإطاعة وحرمة المعصية الّذي عليه مدار الثواب والعقاب إنّما هو التكليف الفعلي ، المتوقّف انعقاده على علم المكلّف بالمعنى الإنشائي المذكور.
فليس كلّ حكم واقعي تكليفا فعليّا ، لجواز الانفكاك في الجاهل والغافل ، ولذا كثيرا مّا يأتي المكلّف بما هو واجب واقعي ، أو يترك ما هو حرام واقعي ، ولا يثاب عليهما لجهله بالوجوب والحرمة ، أو يترك ما هو واجب واقعي ، أو يأتي بما هو حرام واقعي ، ولا يعاقب عليهما لجهله بالوجوب والحرمة أيضا.
وإن شئت قلت : إنّ المعنى الإنشائي الّذي ينشأه المتكلّم بخطاب قوله : « إفعل ، أو لا تفعل » مثلا مع قطع النظر عن علم مخاطبه به حكم واقعي ، وإذا علم به المخاطب ببلوغ الخطاب إليه يصير تكليفيّا ، فعلم المكلّف بالنسبة إلى الأوّل من حيث تعلّقه به طريق ، وبالإضافة إلى الثاني من حيث دخوله في موضوعه يعتبر على وجه الموضوعيّة فإنّ موضوعه الحكم الواقعي من حيث ما علم به المكلّف ، فالتكليف عنوان ينوط انعقاده وتحقّقه في نظر العرف والعقل والشرع بعلم المكلّف بالمعنى الإنشائي الّذي أنشأه المولى بخطابه.
والحاصل : مدلول قوله : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )(١)( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(٢) مثلا الّذي هو معنى إنشائي له اعتباران لا يدخل في أحدهما علم المكلّف أصلا ، ويتّصف بهذا الاعتبار بالواقعيّة ويسمّى بالحكم الواقعي.
ويدخل العلم في الآخر على وجه الموضوعيّة فيكون عنوانا آخر غير الأوّل ، ويسمّى بهذا الاعتبار بالتكليف ، وقد يسمّى حكما ظاهريّا ، وقد يعبّر عنه بالحكم الفعلي.
ثمّ إنّ الظنّ أيضا كالقطع في انقسامه إلى الظنّ الطريقي والظنّ الموضوعي ، غير أنّ الظنّ الطريقي يمتاز عن القطع الطريقي في كونه طريقا مجعولا من الشارع بخلاف القطع الطريقي لما بيّناه من أنّه بنفسه طريق إلى الواقع ولا يحتاج في طريقيّته إلى جعل الشارع.
والسرّ في الفرق أنّ القطع انكشاف لا يحتمل معه خلاف المنكشف ، فلا يحتاج في كونه طريقا إلى إحراز الواقع [ إلى جعل الشارع ] ليترتّب على المقطوع به آثار الواقع ، والظنّ انكشاف يحتمل معه خلاف المنكشف ، فلا يكون بنفسه طريقا إلى إحراز الواقع بحيث
__________________
(١) سورة البقرة : ٤٣.
(٢) سورة آل عمران : ٩٧.