وبالجملة طول زمان الحرمة المستفادة من المخصّص الأوّل لا يعدّ تخصيصا آخر ، فالاستصحاب المذكور لا يزاحمه شيء من طرف العامّ لمكان الإجمال.
ولما انجرّ الكلام إلى ذكر تواتر القراءات فلا بأس بالتكلّم في هذا المطلب فنقول : المعروف من مذهب الأصحاب تواتر السبع المعروفة ، وفي كلام جماعة (١) دعوى الشهرة فيه. وعن جامع (٢) المقاصد والعزّيه (٣) وفى الروض دعوى الإجماع على تواترها ، وعن مجمع البرهان (٤) نفي الخلاف فيه ، وعن جماعة منهم الشهيدان في الذكرى (٥) وروض الجنان (٦) دعوى التواتر في الثلاث الباقية أيضا.
وفي كلام بعض الأعلام (٧) : « كونه المشهور بين المتأخّرين » ناقلا له عن روض الجنان أيضا.
وفي كلام بعض الأعلام : « ثمّ إنّ ظاهر الأكثر أنّها متواترة إن كانت جوهريّة إلى أن قال : وأمّا إذا كانت ادائيّة كالإمالة والمدّ واللين فلا ، لأنّ القرآن هو الكلام وصفات الألفاظ ليست كلاما لأنّه لا يوجب ذلك اختلافا في المعنى ، فلا يتعلّق فائدة مهمّة بتواتره » (٨) إنتهى.
والمراد بالجوهريّة ما يتعلّق بأصل الكلمة وحروفها كما في « مالك » و « ملك » بإثبات الألف وإسقاطه ، و « يطهرن » و « يطّهرن » بالتخفيف والتشديد وما أشبه ذلك.
وبالأدائيّة ما يتعلّق بكيفيّة أداء حروف الكلمة كالمدّ والإمالة واللين فهي من قبيل صفات الكلمة وحروفها.
وربّما عدّ ما ذكره رحمهالله من توجيه كلام الأكثر قولا بالتفصيل في المسألة وهو خيرة الزبدة. (٩)
ثمّ من المعلوم أنّ تواتر القراءات كلّها أو بعضها مبنيّ على تواتر أصل القرآن ، لأنّ القراءة فرع فما لم يكن الأصل متواترا لم يعقل كون الفرع متواترا ، وأمّا تواتر الأصل فالظاهر أنّه لا كلام لهم فيه ، فإنّهم ذكروا من غير خلاف أنّ القرآن متواتر فما نقل آحادا
__________________
(١) قوانين الاصول : ١ / ٤٠٦ ومفاتيح الاصول : ٣٢٢ ومناهج الأحكام : ١٥٠.
(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦.
(٣) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٧ : ٢٠٩.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٧.
(٥) الذكرى : ٣ / ٣٠٥.
(٦) روض الجنان : ٢٦٤.
(٧) قوانين : ١ / ٤٠٦.
(٨) قوانين الاصول : ١ / ٤٠٦.
(٩) الزبدة : ٦١.