الّتي يعمل بها في الأحكام.
التنبيه الثالث :
اختلفوا في وقوع التحريف ـ وهو التغيير بالزيادة والإسقاط ـ في القرآن وعدمه ، وليس الغرض من عنوان هذه المسألة تحقيق القول فيها لقلّة جدواه ، بل بيان أنّ التحريف على تقدير وقوعه في القرآن هل يمنع من العمل بظواهره ويخلّ بحجيّتها أو لا؟ والحقّ العدم خلافا لمن توهّمه ، كما يظهر من منكري وقوع التحريف في احتجاجهم بأنّ القول بالجواز فتح لباب الكلام على إعجاز القرآن وعلى استنباط الأحكام.
لنا على المختار أوّلا : عدم العلم الإجمالي باختلال شيء من ظواهر الكتاب مطلقا.
وثانيا : كونه على تقدير حصوله في شبهة غير محصورة كالعلم بوجود أخبار كاذبة فيما بين الأخبار ، فلا يقدح في الحجّيّة مطلقا.
وثالثا : على تقدير كونه في شبهة محصورة يمنع كون ما اختلّ بالتحريف من آيات الأحكام ، لجواز كونه من سائر الآيات المتعلّقة بمطالب اخر كالقصص والأمثال وغيرها.
وبعبارة اخرى : أنّ المعلوم بالإجمال مردّد بين كونه من الظواهر المتعلّقة بالأحكام أو كونه من الظواهر الاخر الّتي تعلّق (١) بغير الأحكام ، فلم يتحقّق بالقياس إلى ظواهر آيات الأحكام الّتي هي مورد أدلّة الحجّيّة مانع ، ولا منع من التمسّك بها.
ويكفي في سند ذلك المنع ما قيل : من أنّ التحريف على تقديره وقوعه في القرآن ليس بالزيادة بل بالإسقاط ، بل عن التبيان (٢) ومجمع البيان (٣) الإجماع على عدم الزيادة ، مع ما قيل : من أنّ الظاهر أنّ التحريف بالإسقاط لم يقع في آيات الأحكام بل في غيرها ، ومرجع ذلك المنع بالسند المذكور إلى خروج آيات الأحكام عن طرف العلم الإجمالي ، فالمعلوم بالإجمال إنّما هو في ظواهر الآيات الغير المتعلّقة بالأحكام.
لا يقال : إنّ التحريف الواقع في القرآن متساوي النسبة إلى ظواهر آيات الأحكام وإلى ظواهر غيرها ، فيكون موجبا لسقوط الجميع عن الاعتبار والحجّيّة ، نظير عمومات كثيرة علم بوجود مخصّص لها إجمالا غير معلوم بالتفصيل ، فكما أنّه يمنع من العمل بالجميع فكذا ما نحن فيه.
__________________
(١) وفي الأصل : « لا تعلّق » الخ. والظاهر أنّه سهو منه رحمهالله والصواب ما أثبتناه في المتن.
(٢) التبيان : ١ : ٣.
(٣) مجمع البيان : ١ : ١٥.