كما أنّ الآيات الناهية عامّة في ظواهر الكتاب وغيرها من سائر أنواع الظنون ، فأدلّة الحجّيّة مع الآيات الناهية من باب العامّين من وجه فيتعارضان في ظواهر الكتاب ، والتخصيص بإخراج الظواهر ممكن فيهما معا فما وجه إرجاعه إلى الآيات الناهية دون أدلّة الحجّيّة ، لأنّ العامّ الأول أظهر في العموم لكونه أقلّ أفرادا ـ فإنّ مورد أدلّة الحجّيّة منحصر في نصوص الكتاب وظواهره ـ من العامّ الثاني ـ لكونه أكثر أفرادا بمراتب شتّى من العامّ الأوّل ، والعامّ كلّما قلّ أفراده إزداد ظهوره في العموم وكلّما كثر أفراده ضعف ظهوره في العموم ، فأظهريّة أحد العامّين ينهض قرينة على إرجاع التخصيص إلى العامّ الآخر ، كما في سائر موارد تقديم الأظهر على الظاهر ، ومعناه إرجاع التأويل إلى الظاهر.
وبالتأمّل فيما بيّناه في رفع محذور لزوم عدم الشيء من وجوده ، على تقدير حجّيّة الظواهر من باب الظنّ الخاصّ ، يعلم اندفاع ما تخيّله بعض الأعلام في هذا المقام ، على تقدير تخصيص آيات التحريم بما عدا ظواهر الكتاب بأدلّة حجّيّة تلك الظواهر من لزوم التخصيص في الإجماع ، لو كان دليل الحجّيّة هو الإجماع كما استدلّ به أيضا (١).
وبيان الملازمة : أنّ الإجماع قائم بحجّيّة الظواهر ، ومن الظواهر آيات التحريم ، والمفروض عدم حجّيّة ظاهرها وهو العموم ودليله الإجماع المذكور ، فيلزم التخصيص في نفس ذلك الإجماع بإخراج هذا الظاهر عن معقده بنفسه وهو باطل.
أمّا أوّلا : فلأنّ الإجماع دليل لبّي قطعي لا يقبل التخصيص.
أمّا ثانيا : فللزوم اتّحاد المخصّص والمخصّص وهو محال.
ووجه الاندفاع : أنّ الإجماع الدالّ على حجّيّة ظواهر الكتاب لا يدلّ على عدم حجّيّة ظاهر آيات التحريم ـ لو اريد به ظهورها الأوّلي ـ بل يوجب بتخصيصه تلك الآيات ارتفاع ظهورها الأوّلي وانقلابها إلى الظهور الثانوي ، فليس فيها ظهور أوّلي ليدلّ دليل حجّيّة على حجّيّة حتّى يلزم منه استلزم الوجود العدم ، أو على عدم حجّيّته حتّى يلزم التخصيص في دليل الحجّيّة وهو الإجماع بنفس دليل الحجّية ، وأمّا لو اريد ظهورها الثانوي فقد عرفت أنّه لا ينافي مفاد دليل الحجّيّة وإن كان هو الإجماع ، فليتدبّر.
أمّا المقام الثاني : في أنّ حجّيّة ظواهر الكتاب والسنّة مخصوصة بمن قصد إفهامه بها على جهة الخصوص ، كالخطابات الشفاهيّة بالنسبة إلى المشافهين ، ومن يحذو حذوهم من
__________________
(١) قوانين الاصول ٢ : ١٠٩.