المورد باعتبار حكم العادة بامتناع التواطؤ على الخطأ ، وفيه : ما لا يخفى ، إذ العادة عند أهل هذه الطريقة الحكم بأخذ المورد عن الرئيس المعصوم ، ولا ريب أنّ المأخوذ عن المعصوم قد تكون قضيّة ملفوظة ، وقد يكون أصل الحكم ، فيجري الاعتباران على هذه الطريقة أيضا.
وما قد يتراءى في بعض العبارات في مقام بيان قبول الإجماع التخصيص والتقييد ـ من أنّ الإجماع ثبت على القاعدة ، وهي قابلة لكلّ من التخصيص والتقييد ، فتطرقهما إلى مورده لا ينافي اللبّيّة ـ على إطلاقه غير سديد.
لأنّ قبولهما إنّما يكون فيما لو كان المورد قضيّة ملفوظة ، وحينئذ يخرج عن اللبّيّة ، إلاّ أن يقال : بأنّها اصطلاح في الإجماع وإن فرض مورده اللفظ ، أو يفرض حصول الإجماع على أصل تعليقي ، وهو حكم ينوط ثبوته بعدم الدليل على الخلاف ، كما لو فرض حصول الإجماع على أصالة الإباحة في الأشياء ما لم يعلم دليل على الحظر ، أو على أصالة الطهارة في الأشياء ما لم يعلم دليل على النجاسة ، فإذا علم ورود نصّ على حرمة شيء أو نجاسته كان مخرجا عن الأصل المذكور ، وهذا تخصيص في الإجماع ولا ينافي لبّيّنه.
ويزيّفه : أنّ هذا من باب الإخراج [ عن الموضوع ] كالاستثناء المنقطع ، لا عن الحكم ليكون من التخصيص المصطلح ، وهذا هو الممنوع في الأدلّة اللبّيّة لا ما يفيد الخروج الموضوعي ، فليتدبّر.
وبما حققّناه يعلم أنّ الإجماع حيثما حصل في العبارة كما يكون دليلا لفظيّا كذلك يكون دليلا ظنّيّا من حيث الدلالة ، وإن كان قطعيّا من حيث السند وهو صدور العبارة كالكتاب والخبر المتواتر ، بخلاف ما حصل في المعنى فإنّه قطعي سندا ودلالة.
الأمر الثالث :
الإجماع ينقسم إلى بسيط وهو : اتّفاق الامّة على قول واحد ، ومركّب وهو : اتّفاق الامّة على قولين يلزمه نفي الثالث المفصّل أو المبائن ، ومناط الحجّيّة فيهما على الكشف عن قول الحجّة واحد ، فاختيار القول الثالث المنفي ـ الّذي يقال له : خرق الإجماع المركّب ـ حرام عندهم ، لكونه مخالفة لقول الحجّة ، وهذا ممّا لا غرض فيه ، بل الغرض الأصلي هنا بيان طريق الاستدلال به ولمّه.
فنقول : إنّ الفقيه إذا وجد في المسألة الفرعيّة إجماعا مركّبا متضمّنا لاتّفاق الفريقين على نفي التفصيل ، فإمّا أن يجد على أحد شطريه دليلا اجتهاديّا أو لا.