باختلاف الأنظار والأزمان والأمكنة والأحوال والموارد ، إذ قد عرفت أنّ ربّ عدد معيّن يفيد العلم لأحد ولا يفيد مثله لغيره ، وربّما ينعكس الأمر ، وربّ عدد معيّن يفيده في زمان أو مكان أو حالة ولا يفيد مثله في غير هذا الزمان وهذه الحالة وهذا المكان ، وربّ عدد يفيده في مورد ولا يفيد مثله في غير ذلك المورد ، فليس له انضباط ولا انتظام ، ليكون ذلك معيارا للمطلوب ، ومعتبرا في الخبر عند النقل ، فيترتّب عليه أحكامه ولوازمه ، فمع ذلك كيف يكون مجرّد التواتر المنقول بخبر الواحد ملزوما واقعيّا للصدق وسببا عاديّا لمطابقة الواقع؟ مع أنّه كثيرا مّا يتّفق كون ذلك الّذي نقله هذا العادل منوطا بعدد عنده لا يفيدنا العلم بصدقه ، فكيف نصدّقه في الإخبار بالتواتر ونرتّب على الخبر لمجرّد إخباره أحكام المتواتر؟
وثالثها
أي ثالث ما ادّعي خروجه عن أصالة التحريم :
الشهرة الفتوائيّة
الحاصلة من مصير الأكثر إلى قول في المسألة ، سواء قابله قول آخر للأقلّ أو لا من جهة سكوت الأقلّ ، أو لعدم فتواه ، والمقصود بالبحث أيضا خروج ذلك من باب الظنّ الخاصّ لئلاّ يحتاج في إثبات حجّيّتها إلى فتح باب الظنّ المطلق وإثبات انسداد باب العلم ، فقد يتوهّم الحجّيّة فيها على الوجه المذكور استنادا إلى وجهين :
أحدهما : فحوى ما دلّ على حجّيّة خبر الواحد ، فإنّ الشهرة تفيد من الظنّ ما لا يفيده الخبر ، فيكون الظنّ الحاصل منها أقوى من الظنّ الحاصل من الخبر ، فتكون أولى بالحجّيّة.
وثانيها : توهّم الدلالة من مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة الواردتين في بيان المرجّحات في الخبرين المتعارضين.
ففي أوليهما : « قال زرارة : قلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما نعمل؟ قال : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر ، قلت : يا سيدي أنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم ، قال : خذ بما يقوله أعدلهما (١) ... » إلى آخره.
بناء على كون الموصول كناية عن المشهور مطلقا رواية كان أو فتوى ، أو دلالة إناطة الحكم بالاشتهار على أنّ المناط هو الشهرة في نفسها وإن كانت في الفتوى.
__________________
(١) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ / ٢.