ولو سلّم دلالة الآية على وجوب إظهار الحقّ في كلّ مورد ، فهو لا يستلزم وجوب قبول قول المظهر له على كلّ حال ، لجواز كون إرادة عموم الإظهار لأجل رجاء حصول العلم ووضوح الحقّ من تعدّد المظهرين ، أو من معونة القرائن ، مع أنّ مفاد الآية وجوب إظهار الحقّ على من عنده الحقّ ، فالواجب قبوله على المستمعين في إظهار الحقّ من حيث إنّه حقّ ، لا من حيث إنّه قوله ، ولا وجوب قبول قوله في كلّ شيء وإن لم يكن حقّا ، فإذا شكّ المستمع في كون ما أظهره حقّا أم لا ، أو احتمل عدم كونه حقّا ولو مرجوحا فالآية لا تدلّ على وجوب قبول قول المظهر له ، وإن دلّت على وجوب الإظهار عليه ، نظرا إلى رجاء حصول العلم من تعدّد المظهرين أو من معونة القرائن.
ومن الآيات قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(١) بتقريب : أنّ وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلاّ يلغو السؤال ، ومسبوقيّة الجواب بالسؤال لا مدخليّة لها في وجوب القبول ، حتّى يتوجّه أنّه لا يقتضي قبول [ قول ] الراوي الغير المسبوق بالسؤال ، للقطع بأنّ المناط هو قبول القول وإن لم يصدق عليه عنوان الجواب باعتبار عدم السؤال ، أو للإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.
والمراد من أهل الذكر أهل العلم ، فيدخل فيهم الرواة في رواياتهم المسموعة عن المعصومين عليهمالسلام ، لأنّهم عالمون بما سمعوه ، فإذا سئل الراوي الّذي هو من أهل العلم عمّا سمعه من الإمام في خصوص الواقعة ، فأجاب : بأنّي سمعته يقول كذا ، وجب القبول بحكم الآية ، فيجب قبول قوله ابتداء : إنّي سمعت الإمام يقول كذا ، لأنّ حجّيّة قوله هو الّذي أوجب السؤال عنه ، لا أنّ وجوب السؤال أوجب قبول قوله.
ويرد عليه أوّلا : أنّ الآية بمقتضى ظاهر السياق نزلت في أهل الكتاب ، فالمراد من أهل الذكر أحبارهم وعلمائهم ، كما يشهد به ما قبل الآية فإنّها على ما في سورة النحل هكذا ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ )(٢) ، وعلى ما في سورة الأنبياء ( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(٣).
ولو قطع النظر عن ظاهر السياق فيرد عليه أيضا أوّلا : منع كون المراد من أهل الذكر
__________________
(١) سورة النحل : ٤٣.
(٢) سورة النحل : ٤٣ ـ ٤٤.
(٣) سورة الأنبياء : ٧.