ومن تغائرهما أيضا مدرك القاعدة الاولى هو العقل من جهة بناء العقلاء وإطباقهم على الاحتراز ، ومدرك القاعدة الثانية هو الشرع من جهة الخبر.
ثانيها
« أنّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح » (١).
وتوضيحه بحيث يتبيّن به الملازمة : أنّ الرجحان والمرجوحيّة قد يلاحظان بالقياس إلى وجود الشيء وعدمه في الخارج ، فالراجح ما له مزيّة على الآخر والمرجوح ما كان خاليا عن المزيّة ، وترجيحه عبارة عن اختياره على ذي المزيّة ، وإنّما يكون قبيحا إذا كان لداع غير عقلائي ، ويقال له : « المرجّح الفاعلي » ولو كان شهوة نفسانيّة ، قبالا للمرجّح العقلائي وهو المراد من المزيّة ، وإلاّ فلو كان خاليا عن المرجّح مطلقا حتّى المرجّح الغير العقلائي فترجيحه كالترجيح بلا مرجّح محال لا أنّه قبيح ، فإنّ اختيار أحد المتساويين على آخر لا لداع وغرض ولو فاعليّا إذا كان محالا فاختيار المرجوح منهما على الآخر الّذي هو الراجح لا لداع وغرض حتّى الفاعلي أيضا محال بل أشدّ استحالة.
وقد يلاحظان بالقياس إلى وجود الشيء وعدمه في الذهن ، فالرجحان حينئذ أن يكون أحد طرفي النسبة مظنونا فالراجح هو المظنون ، والموهوم مرجوح ، وترجيحه عبارة عن الأخذ به والعمل عليه ، على معنى تطبيق الحركات والسكنات الخارجيّة عليه وهذا قبيح لا أنّه محال ، وإذا كان ذلك قبيحا فخلافه وهو الأخذ بالراجح وهو المظنون واجب.
واجيب (٢) تارة : بمنع الملازمة ، إذ لم يثبت وجوب الترجيح ، فلا يرجّح المرجوح ولا الراجح ، ولا يؤخذ بالموهوم ولا بالمظنون ، بل يتوقّف.
ويزيّفه : عدم إمكان الواسطة ، إذ لا محيص من العمل الدائر بين وقوعه على طبق المظنون ، أو على طبق الموهوم ، والتوقّف عن العمل غير معقول.
واخرى : بمنع قبح ترجيح المرجوح على إطلاقه ، فإنّ المرجوح وهو الموهوم قد يوافق الاحتياط ، كما لو كان المظنون عدم وجوب شيء أو عدم حرمته ، فالأخذ به حينئذ حسن لا أنّه قبيح.
وردّ : بأنّ الأخذ بالمرجوح بعنوان أنّه عمل بالاحتياط ليس ترجيحا للمرجوح ، بل
__________________
(١) هذا الاستدلال أشار إليه العلاّمة في نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٢٩٧ والمحقّق القمّي في قوانين الاصول ١ : ٢٤٣ وصاحب الفصول في الفصول : ٢٨٦.
(٢) هداية المسترشدين : ٤١١.