أيضا ـ فاحتمال المعصية منفي بالأصل ، وإن احتمل معه مخالفة الحكم الواقعي.
والضابط في عدم عذريّة الجهل هو العلم الإجمالي بالوجوب في الشبهات الوجوبيّة ، أو بالتحريم في الشبهات التحريميّة مع التمكّن من العلم التفصيلي ، أو العلم الإجمالي بالواجب أو المحرّم فيما بين المشتبهات مع التمكّن من الامتثال ، كما في الشبهة المحصورة وجوبيّة أو تحريميّة.
المطلب الثاني
قد عرفت في مقدّمات الباب ـ عند بيان الفرق بين القطع الطريقي والقطع الموضوعي ـ أنّ من خصائص العلم الطريقي عدم الفرق في طريقيّته إلى الواقع ووجوب متابعته بين أفراده من حيث القاطع ، والمقطوع به ، وأسباب القطع ، وأزمانه ، ومعنى وجوب متابعته وجوب ترتيب آثار الواقع على المقطوع به مطلقا ، سواء استند في حصوله إلى سبب عقلي أو نقلي أو ملفّق من العقلي والنقلي.
وبرهانه : أنّ العلم لا معنى له إلاّ انكشاف الواقع ، والواقع بعد ما انكشف فلا عذر للمكلّف في عدم ترتيب آثاره عليه ، فتخصيص طريقيّته ووجوب متابعته بسبب دون سبب غير معقول ، إلاّ بأن يقال : إنّ المقطوع به من السبب الفلاني ليس له تلك الآثار ، أو أنّ الآثار ليست من آثار المقطوع به ، والكلّ باطل بدليل الخلف ، إذ المفروض أنّ المقطوع به هو الواقع المنكشف ، فهو ممّا له آثار الواقع وآثار الواقع من آثاره.
وبالجملة : لا يعقل الفرق في طريقيّة العلم ووجوب متابعته بين أسبابه حذرا عن لزوم التناقض الّذي يوضحه دليل الخلف بالوجه الّذي قرّرناه ، ومرجعه إلى فرض المعلوم في الصغرى غير ما له الآثار المعلومة في الكبرى ، وفرض الآثار المعلومة في الكبرى لغير المعلوم في الصغرى ، وكلاهما خلاف ما فرض من صدق المقدّمتين ، خلافا لغير واحد من أصحابنا الأخباريّين (١) فانكروا جواز الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة النظريّة الغير القريبة من الحسّ لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلا يمكن الركون إلى شيء منها كما يوضحه كلام محكي عن المحدّث الأسترابادي في فوائده المدنيّة ، ولا بأس بنقله هنا.
فإنّه ـ عند الاستدلال على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة في السماع عن
__________________
(١) كالأمين الأسترابادي والمحدّث الجزائري والمحدّث البحراني.