العمل بالأولويّة مثلا كاشفة ظنّا عن غلبة مخالفتها الواقع ، فلا تكون مشمولة لحكم العقل.
وعلى جميع التقادير يتعيّن الأخذ بالظنّ المانع نظرا إلى حكومته ، وهذا هو المختار في المسألة ، غير أنّه مبنيّ على ثبوت حجّيّة الظنّ في المسائل الاصوليّة بدليل الانسداد ، وسيأتي تحقيق القول في ذلك إن شاء الله تعالى.
الأمر الثالث
مقتضى عموم نتيجة دليل الانسداد لكلّ ظنّ ، أو تعميمه بإحدى المعمّمات لكلّ ظنّ في الأحكام الشرعيّة ، عدم الفرق في وجوب العمل بالظنّ بالحكم الشرعي بين ما لو كان الظنّ به مستفادا من أمارة قائمة بنفس الحكم كالإجماع المنقول والشهرة وغيرهما في المسألة الفرعيّة ، وما لو كان مستفادا من أمارة مسوقة لبيان مسمّى اللفظ الوارد في الدليل ـ كتابا أو سنّة ـ باعتبار وضعه لغة ، كالصعيد إذا ظنّ من جهة قول لغوي ظنّي كونه لمطلق وجه الأرض ، وهو يؤدّي بملاحظة قوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً )(١) إلى الظنّ بجواز التيّمم على الحجر ولو مع وجود التراب.
أو عرفا كالدابّة إذا ظنّ من جهة الشهرة في استعمالات أهل العرف كونه بالوضع العرفي الثانوي للأنعام الثلاثة ، أعني الخيل والبغال والحمير ، فيحصل منه الظنّ بطهارة أبوالها مثلا ، من جهة النصّ الدالّ على طهارة بول الدابّة.
أو شرعا كما في الحقائق الشرعيّة إذا ظنّ من جهة الشهرة والغلبة في استعمالات الشارع وتابعيه كونها بالوضع الشرعي التعييني أو التعيّني للمعاني الشرعيّة ، فيحصل منه الظنّ بأحكام علّقت في الكتاب أو السنّة عليها.
أو من أمارة قائمة ببيان المراد من اللفظ الوارد في الدليل كتفسير الراوي للّفظ في المشترك ، وغلبة الإطلاق بالقياس إلى فرد في المتواطئ ، والشهرة في المجاز المشهور ، أو الأمر الواقع عقيب الحظر بالنسبة إلى الإباحة المطلقة ، أو الإباحة الخاصّة.
أو من أمارة متعلّقة بالموضوع الخارجي ككون الراوي عادلا أو إماميّا ، أو كون « أبي بصير » هو المرادي لا غير في المشتركات ، أو كون المرويّ عنه في المضمرات هو الإمام ،
__________________
(١) سورة النساء : ٤٣.