كان غافلا عن المسألة رأسا غير ملتفت إليها أصلا ، فلا إشكال في أنّه لا شيء عليه في الدنيا ولا في الآخرة ، وإن لم يكن غافلا بل كان ملتفتا إلى المسألة شاكّا في طرفيها ، فهل يجب عليه إزالة الشبهة بطلب ما يفيده العلم ولو بنحو مسألة العلماء الموثوق بهم؟ الوجه العدم ، لأصالة البراءة من جهة عدم الدليل عليه من عقل ولا نقل ، بل هذا هو ثمرة اشتراط وجوبه كما بيّناه.
وهل يجوز له أن يعقد قلبه من طرفي المسألة على ما لو كان خطأ في الواقع لم يضرّه ويتديّن به؟ كما لو عقد على وجود المعاد ويتديّن به لو كان في شبهة ، أو على وجود الجنّة والنار بالفعل ، نظير ما لو عقد من كان في وجود الصانع تعالى في شبهة على وجوده فإنّ خطاءه لا يضرّ ، بخلاف ما لو عقد على الطرف الآخر فأخطأ فإنّه يضرّه جزما ، الظاهر نعم ، لعدم المانع بل العقل مستقلّ بحسنه ، على معنى حكمه بأن لا حرج في فعله ، بل يمكن دعوى رجحانه العقلي بالنظر إلى حسن الاحتياط.
وفي روايات أهل العصمة أيضا ربّما وقع الإشارة إلى هذا المسلك ، كما في صحيح محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليهالسلام ، قال : دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسن عليهالسلام ، وعنده جماعة « فقال أبو الحسن عليهالسلام : أيّها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإيّاكم شرّعا سواء؟ لا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا ، فسكت الرجل ، ثمّ قال أبو الحسن عليهالسلام : وإن كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا ... ». إلى آخره (١).
وفي معناه المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله عليهالسلام :
قال الطبيب والمنجّم كلاهما |
|
لن تحشر الأموات فقلت أبكما |
إن صحّ قولكما فلست بخاسر |
|
وإن صحّ قولي فالخسار عليكما (٢) |
ولو ظنّ الطرف المذكور فأولى بحسن العقد عليه والتديّن به.
نعم لو ظنّ الطرف الآخر وجب الوقف دفعا للضرر المحتمل ، بل لو عقد حينئذ أيضا على الطرف الموهوم وتديّن به ، لا حجر فيه ولا حرج عليه أيضا.
هذا كلّه فيما لو دارت المسألة بين الإثبات والنفي ، وأمّا إذا دارت بين المتبائنين
__________________
(١) بحار الأنوار ٣ : ٣٦ / ١٢.
(٢) بحار الأنوار ٧٥ : ٨٧ ، والديوان المنسوب بالإمام عليهالسلام : ٣٩٦.