المسألة الاولى :
فيما كان الفعل الصادر من المعصوم من الأفعال الطبيعيّة العاديّة ، ولا إشكال في حكمه كما هو المصرّح به في كلام جماعة بل ظاهرهم الإجماع عليه ، من حيث كون هذه الأفعال مباحة له ولنا ، بل الظاهر خروجها عن موضوع كلامهم في هذا الباب ، إذ النظر في فعل المعصوم إمّا من حيث التأسّي به في فعله وأنّه هل هو واجب علينا أو مستحبّ لنا أو مباح لنا ، أو من حيث دلالته في حقّنا على حكم لولا النظر فيه لم يكن ذلك الحكم ثابتا ، كما لو فعل ما يحتمل الحرمة أو ترك ما يحتمل الوجوب ، فيدلّ على الإباحة اللازمة لانتفاء الحرمة والوجوب في الصورتين ، نظرا إلى عصمته المانعة من ارتكاب الحرام وترك الواجب ، فتخرج الطبيعيّات عن كلتا الحيثيّنين لعدم كونها من جهة أنّها من لوازم تعيّش كلّ أحد محلاّ للتأسّي ، وكون إباحتها ثابتة في حقّنا من غير جهة فعل المعصوم كالضرورة وحكم العادة ، حتّى أنّ منهم من التزم بخروجها عن السنّة حيث قيّد تعريفها بما تقدّم بغير العاديّات احترازا عن العادي من قول المعصوم وفعله وتقريره.
والمراد بالعادي من فعل المعصوم هو هذه الأفعال ، نظرا منه في هذا الاحتراز إلى أنّ السنّة نوع من أدلّة الأحكام الشرعيّة ، ولا حاجة في معرفة الإباحة اللازمة للأفعال العاديّة إلى النظر في فعل المعصوم ، لكونها معلومة بالضرورة وبداهة العادة.
المسألة الثانية :
فيما كان الفعل الصادر منه متردّدا بين العادي والشرعي ، كالأمثلة المتقدّمة ونظائرها الّتي منها ما ذكره الشهيد في قواعده : « من دخوله صلىاللهعليهوآله من ثنيّة كداء (١) بالفتح والمدّ ، وخروجه من ثنيّة كدى (٢) بالضمّ والقصر ، ونزوله بالمحصّب (٣) لمّا نفر في الأخير (٤) وتعريسه (٥)
__________________
(١) كداء ( بالفتح والمدّ ) الثنيّة العليا بمكّة ممّا يلي المقابر ، النهاية لابن الاثير : ٤ / ١٢ مادّة « كداء ».
(٢) كدى ( بالضمّ والقصر ) الثنيّة السفلى ممّا يلي باب العمرة ، النهاية : ٤ : ١٢.
(٣) المحصب هو الشعب الّذي مخرجه الى الأبطح بين مكّة ومنى ، النهاية ١ : ٢٣٢ مادّة حصب.
(٤) أي في اليوم الاخير وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة الّذي هو آخر أيّام التشريق وهي الحادي عشر والثانى عشر والثالث عشر ، والنفر هو نفر الحاجّ من منى إلى مكّة وهو نفران ، أحدهما : نفرهم فى اليوم ، الثاني عشر ويسمّى النفر الأوّل والآخر نفرهم فى اليوم الثالث عشر ويسمّى النفر الثاني وقد يعبّر عنه بالنفر الأخير باعتبار وقوعه فى اليوم الأخير ( راجع حاشيته على القوانين ٢ : ٦١ ).
(٥) التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ، وذو الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء مصغّ الحلفة وهو موضع على ستّة أميال من المدينة وميقات الحاجّ ، كذا فى المجمع ( حاشية القوانين : ٢ : ٦١ ).