الأفعال ، فنحكم على مثل الزبيب على الريق ، ونوم القيلولة ، وجلسة الاستراحة بعدم كونه واجبا علينا ولا مستحبّا لنا ، واللازم من ذلك كونه مباحا إجراء لحكم الأفعال العادية عليه.
ودعوى كونها أصلا مثبتا وهو باطل ، يدفعها : أنّا لا نقصد بأصالة عدم التشريع إثبات الموضوع وهو كون محلّ الشكّ فعلا طبيعيّا للمعصوم ، بل نفي آثار الشرعيّة عن فعله هذا ، وهو كونه محلاّ للتأسّي أو محلاّ للاستدلال به على ثبوت حكم في حقّنا ، على ما بيّناه من رجوع البحث في فعل المعصوم إذا كان شرعيّا تارة إلى التأسّي به في فعله وجوبا أو ندبا أو إباحة ، واخرى إلى دلالته على حكم في حقّنا.
فملخّص نفي هذه الآثار عدم كون ذلك الفعل بالنسبة إلينا محلاّ للتأسّي ، ولا محلاّ للاستدلال ، لبقائه على إباحة نوعه الثابتة بحكم الضرورة وقضاء العادة ، فلا حاجة لإثبات هذه الإباحة في حقّنا أيضا إلى النظر في ذلك الفعل ، كما ظهر وجهه في المسألة السابقة.
ومن الأعلام من قال في هذا المقام : « إنّ الكلام في ذلك يرجع إلى ما لا يعلم وجهه » (١) وقضيّة كلامه جريان النزاع الآتي فيما لا يعلم وجه فعل المعصوم وأقواله الآتية ، من وجوب التأسّي به أو استحبابه أو إباحته أو التوقّف هنا أيضا ، وفيه نظر واضح ، لأنّ محلّ النزاع الآتي فيما لم يعلم وجهه هو ما علم كونه شرعيّا ولم يكن من خصائصه ، وهذا غير معلوم الشرعيّة ، فبمقتضى أصالة عدم التشريع يخرج عن محلّ ذلك النزاع حسبما بيّناه.
المسألة الثالثة :
فيما كان الفعل الصادر منه شرعيّا مع العلم بكونه من خصائصه ، كالتهجّد وصوم الوصال (٢) والزيادة على أربع وما أشبه ذلك ، وهذا خارج عن محلّ نزاعهم الآتي ، لأنّ النزاع إن كان في حكم التأسّي فهذا ليس محلاّ للتأسّي لفرض اختصاصه به ، وإن كان في دلالته على حكم في حقّنا فهذا ليس محلاّ للاستدلال به على حكم في حقّنا ، لفرض اختصاصه به أيضا.
المسألة الرابعة :
فيما كان الفعل الصادر منه مع كونه شرعيّا مردّدا بين كونه من خصائصه وعدمه ، وهل
__________________
(١) قوانين ١ : ٤٩٠.
(٢) وهو أن ينوي صوم يومين فصاعدا كالثلثه ولا يفصل بينهما بفطر ، أو صوم يوم إلى وقت متراخ عن الغروب ومنه أن يجعل عشاؤه سحوره ( راجع المختلف ٣ : ٥٠٧ ).