بغير الواجب على وجه الوجوب ، ولا بغير المندوب على وجه الندب ، ولا بغير المباح على وجه الإباحة.
والفرق بين الاعتبار المذكور لثبوت الحكم في حقّ غيره بفعله ، وبين التأسّي به في فعله المنفي وجوبه ، أنّ التأسّي يعتبر في مفهومه قيود ثلاث ، وهو الإتيان بمثل فعل المعصوم على الوجه الّذي فعله لأجل أنّه فعله ، وقضيّة الاعتبار المذكور إذا كان وجه فعله الوجوب وجوب الإتيان بمثل ذلك الفعل على وجه الوجوب ، لا لأجل أنّه فعله بل لأجل وجوبه علينا ، وإذا كان وجه فعله الندب استحباب الإتيان بمثل فعله على وجه الاستحباب بداعي ذلك الاستحباب ، لا لأجل أنّه فعله ، وإذا كان وجه فعله الإباحة جواز الإتيان به على وجه الإباحة لأجل كونه مباحا ، لا لأجل أنّه فعله.
ألا ترى أنّا نصلّي وجوبا ونغتسل في الجمعة استحبابا ونأكل أو نشرب إباحة ، ولا نلاحظ في شيء منها ولا في نظائرها كونه لأجل أنّه فعله المعصوم ، ولأجل ذلك لا يصدق على شيء منها التأسّي.
لا يقال : إنّ الحكم في حقّ غيره إنّما يثبت بمقدّمة المشاركة في التكليف لا بفعل المعصوم ، لأنّ الحكم المشترك فيه مع قطع النظر عن فعل المعصوم مطلقة ، المردّد بين الوجوب والندب والإباحة والكراهة ، وتعيينه إنّما يعلم بفعل المعصوم وهو المراد من ثبوت الخاصّ في حقّ غيره بفعله.
فائدة :
بعد ما تبيّن ثبوت الحكم الخاصّ في حقّنا بفعل المعصوم المعلوم وجهه ، ينبغي أن نبيّن طرق معرفة وجه فعله.
فنقول : قد عرفت أنّ وجه فعله إمّا الوجوب أو الندب أو الإباحة ، ولمعرفته طريقان :
أحدهما : ما يشترك فيه الثلاثة ، والآخر : ما يختصّ بأحدها دون الآخرين.
أمّا الطريق الأوّل فوجوه :
الأوّل : أن ينصّ المعصوم بوجه فعله ، كأن يقول : هذا الّذي فعلته أو أفعله واجب أو مندوب أو مباح ، أو يقول : فعلته على وجه الوجوب أو الندب أو الإباحة.
الثاني : وقوعه منه امتثالا لخطاب مبيّن باعتبار وضوح دلالته على الحكم المسوق لبيانه ، كما لو صلّى امتثالا لقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) أو كاتب عبده امتثالا لقوله تعالى :