ولا يسمّى تقريرا ، وقولنا : « عمّا اطّلع عليه » احتراز عن سكوته عمّا لم يطّلع عليه بالأسباب العاديّة المتعارفة ، لعدم كشفه عن رضاه فلا يسمّى تقريرا أيضا ، وقولنا : « من فعل إلى آخره » ، بيان للموصول قصد به تعميم التعريف بالقياس إلى موارد المعرّف ، فإنّه قد يتحقّق في فعل فعل بحضرته أو في عصره واطّلع عليه كشرب التتن أو شرب القهوة مثلا ، وقد يتحقّق في ترك شيء اطّلع عليه كما لو ترك أحد الأذان قبل صلاته ، أو القنوت في صلاته ، وقد يتحقّق في قول سمعه كما لو سئل عن مسألة فأجاب غيره ، وقد يتحقّق في اعتقاد اطّلع عليه سواء تعلّق بحكم فرعي ، كما لو سأله أحد عن البئر مات فيها فأرة أيّ شيء يطهّرها؟ « فقال : ينزح منها سبع دلاء » فقول السائل : « أيّ شيء يطهّرها؟ » يكشف عن اعتقاده بالتنجيس ، أو بحكم اصولي كما لو اطلع من أحد باعتقاده عينيّة صفاته تعالى أو بكفر المجسّمة ، فسكوته مع تمكّنه من الردع يكشف في الأوّل عن جواز الفعل بمعنى عدم حرمته ، وفي الثاني عن جواز الترك بمعنى عدم وجوبه ، وفي الثالث عن صدق القول بمعنى مطابقته في الواقع ، وفي الرابع عن صواب الاعتقاد بمعنى حقّيّته ، وقولنا : مع تمكّنه من الردع » احتراز عن سكوته عمّا لا يتمكّن من الردع عنه لمانع من خوف ضرر أو تقيّة أو غير ذلك ، فإنّه لا يكشف عن الرضاء فلا يسمّى تقريرا ، وزاد بعضهم قيد « احتمال العود » إليه (١) احترازا عمّا لا يحتمله مع كونه صغيرة مع عدم وجوب الردع حينئذ ، إذ لا محلّ له مع عدم احتمال العود.
والأولى ترك هذا القيد لأنّ عدم العود إلى الصغيرة [ يقتضي ] عدم صيرورتها كبيرة ولا يخرجها عن الحرمة ، ويجب عليه الردع عن الحرام حال الاشتغال بها وإن كان صغيرة لو كانت في زمان يسعه الردع عنها.
وأضعف من التقييد المذكور القول باعتبار عدم كون الفاعل جاهلا بحكم ما فعله بحضرته أو في عصره لو كان هو الحرمة ، لأنّه لا تكليف عليه باجتنابه فلا يجب على المعصوم ردعه عن ذلك ، فإنّ المعصوم يجب عليه ردع العالم والجاهل عمّا حرم في الواقع ، غير أنّه في الأوّل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي الثاني من باب تنبيه الغافل وإرشاد الجاهل ، وكلاهما واجبان عليه كما هو مقتضى منصبه ، وقد يعبّر عنهما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعنى الأعمّ ، والجامع بينهما الردع عن الباطل بل هو
__________________
(١) أي زيادة قيد « احتمال العود » إلى الفعل الذي فعل بحضرته أو في عصره.