الشيء بالأعمّ الأغلب ، ومنه سكوت المعصوم عن الردع فإنّه على تقدير استناده إلى عدم التمكّن من جهة المانع كان اضطراريّا وهو موضع شكّ ، والأصل يقتضي كونه اختياريّا ، وإنّما الإشكال في حجّيّة تقرير احرز بالأصل.
فقد يتوهّم : كونه حجّة حيث فرّق بين الأصل المذكور في المقام الأوّل والأصل في المقام الثاني ، في أنّ نتيجة الأوّل مع عدم حجّيّة التقرير ، ونتيجة الثاني حجّيّته ، وفيه : نظر بل منع لأنّ تقرير المعصوم ليس كقوله في الحجّيّة ، فإنّ مناط حجّيّة قوله الظهور اللفظي وإن احرز بمعونة أصل عملي أو اجتهادي ، بخلاف تقريره ، فإنّ مناط حجّيّته الكشف عن رضا المعصوم باعتبار عصمته الباعثة على استحالة إخلاله بما وجب عليه من دون عذر ، وهذا حكم عقلي ولذا عدّ التقرير من الأدلّة اللبّيّة ، ومن دأب العقل أنّه ما لم ينسدّ عنده في قضايا حكمه باب الاحتمال لا يحكم بشيء ، واحتمال عدم التمكّن من الردع لا يرتفع بشيء من الأصلين كما لا يخفى ، فالوجه عدم الحجّيّة ولو فرض اندراج الظنّ الحاصل منه بضميمة الأصل الاجتهادي في حجّيّة مطلق ظنّ المجتهد ، فهو ليس من حجّيّة تقرير المعصوم في شيء.
وأمّا المقام الثالث : فلا يوجد فيه أصل يحرز به أحد طرفي الشكّ ، فسكوته نظرا إلى قيام احتمال علمه بعدم تأثير ردعه في الارتداع لا ينافي الحرمة ، فلا يكشف عن رضاه الملازم للجواز الواقعي ، فلا يكون تقريره حينئذ حجّة.
والسرّ فيه : أنّ تقرير المعصوم كفعله في السقوط عن الحجّيّة حيث صار مجملا باعتبار عدم معلوميّة وجهه ، والتقرير عند قيام الاحتمال الغير المنافي لحرمة ما فعل بحضرته أو في عصره ـ كاحتمال علمه بعدم تأثير ردعه ـ مجمل لا يكشف عن الرضا فلا يكون حجّة ، وحيث خرج عن الحجّيّة باعتبار طروّ الإجمال فلا فرق فيه بين كونه مجملا من جميع الجهات كما لو احتمل في سكوته علمه بعدم تأثير ردعه كما عرفت ، أو من بعض الجهات فيخرج عن الحجّيّة في محلّ إجماله وله صور كثيرة :
منها : سكوته على من ترك القنوت في صلاته واحتمل في حقّه النسيان ، فإنّه لا ينافي وجوبها في حال التذكّر ، فلا يدلّ على رضاه بجواز تركه مطلقا.
ومنها : سكوته على من لبس الحرير في الحرب مع احتمال كونه لضرورة الحرب ، فالقدر المتيقّن منه دلالته على الرضا في خصوص حال الحرب لا سائر الأحوال.