الفاعل فيهما للمدح أو الذمّ ممّا يدركه العقل بمعونة الوجدان.
فالفرق أيضا تحكّم والمكابرة بإنكار إدراكه المحبوبيّة والمبغوضيّة تكذيب للوجدان فلا يلتفت إليه.
واحتجّوا على المختار بوجوه اخر :
أحدها : أنّ الحسن والقبح لو كانا بالشرع لا بالعقل لزم إفحام (١) الأنبياء ، فتنفي فائدة بعثهم ، واللازم باطل بالضرورة.
بيان الملازمة : أنّ النبيّ إذا طلب من المكلّف اتّباعه فللمكلّف أن يقول : ليس عليّ اتّباعك إلاّ إذا علمت صدقك ، ولا أعلم صدقك إلاّ بالنظر في معجزتك ، ولا أنظر في معجزتك ، إلاّ إذا وجب عليّ النظر ، ولا يجب عليّ النظر إلاّ بقولك ، وقولك قبل ثبوت صدقك ليس حجّة ، فينقطع النبيّ.
وقد يقرّر الملازمة : بأنّه إذا قال النبيّ : « انظروا في معجزتي لتعلموا صدقي » كان لهم أن يقولوا : « لا ننظر حتّى يجب علينا النظر ، ولا يجب حتّى ننظر ، ولا ننظر ليجب » وهذه معارضة لا مدفع للنبيّ عنها وهو معنى الإفحام.
واعترض عليه : بأنّ إفحام الأنبياء مشترك اللزوم بين القولين ، لأنّ وجوب النظر عقلا على معنى كونه بحيث يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ ليس ضروريّا ، لتوقّفه على إعمال مقدّمات كلّها نظريّة لوقوع الخلاف في الجميع ، كون النظر مفيدا للعلم مطلقا والمخالف فيها السمينة ، وكونه مفيدا له في الإلهيّات والمخالف فيه المهندسون ، وكون المعرفة واجبة والمخالف فيه الحشويّة ، وتوقّف المعرفة على النظر والمخالف فيه الصوفيّة لبنائهم على تحصيل المعرفة بطريق المكاشفة ، ووجوب مقدّمة الواجب والمخالف فيه جماعة من الاصوليّين وهذه المقدّمات إن لم يكن كلّها نظريّا فلا أقلّ من كون بعضها نظريّا ، وحينئذ فلهم أن يقولوا : « لا ننظر حتّى يجب ، ولا يجب حتّى ننظر » أي لا ننظر في معجزتك إلاّ بإلزام ولا إلزام إلاّ بالنظر في المقدّمات المذكورة.
وجوابه : مضافا إلى أنّ أكثر هذه المقدّمات بديهيّ الثبوت أو بمثابة البديهي بالقياس إلى الأذهان الصافية الخالية عن الشكوك والشبهات ، ولا سيّما المقدّمة الاولى والثانية ، لأنّ كون جملة كثيرة من علوم آحاد الناس نظريّة معلوم لهم ببداهة وجدانهم ، مع العلم
__________________
(١) أي إلزامهم وإسكاتهم ( منه ).