ثمّ إنّ الفاضل التوني (١) احتجّ على ما اختاره من منع الملازمة بوجوه :
أحدها : قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )(٢) فإنّه سبحانه تعالى أخبر بنفي التعذيب حتّى يبعث الرسول ، وليس المراد إثبات التعذيب بعد البعث وقبل تبليغ الحكم إلى المكلّف بل اثباته بعد التبليغ ، فالمسألة قد فرضت في الصورة الّتي حكم العقل بحكم ولم يصل من الشارع حكم ، فالتعذيب يكون منفيّا فلا يجوز الحكم على هذا الواجب العقلي والحرام العقلي بأنّه واجب أو حرام شرعا بل يكون مباحا ، لأنّ الإخبار من الله تعالى على نفي التعذيب إباحة منه سبحانه للفعل والترك ، هكذا قرّره السيّد الشارح رحمهالله.
والمعروف في ردّه هو : أنّ نفي التعذيب لا ينافي استحقاق العذاب لجواز العفو ، والواجب الشرعي هو ما يستحقّ تاركه العقاب لا ما عوقب عليه ، حتّى أنّ الفاضل المستدلّ في سابق كلامه فسّر الواجب الشرعي : « بما يستحقّ فاعله الثواب » وتاركه العقاب والحرام الشرعي عكس ذلك ، قبالا للواجب العقلي المفسّر بما يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ والحرام العقلي عكسه ، وهذا منه مع الاستدلال المذكور عجيب.
وأعجب منه أنّه في أثناء البحث تفطّن للردّ المذكور وضاق عليه الأمر بذلك فعدل عمّا ذكره أوّلا في شرح الواجب الشرعي إلى القول بأنّه ما يجوّز المكلّف العقاب على تركه ، ومع إخبار الله تعالى بنفي العقاب لا يمكن هذا التجويز.
وفيه : مع الغضّ عن أنّ ذلك خلاف ما عليه اصطلاح الأكثر في الواجب الشرعي ، أنّ تجويز العقاب على ترك الفعل معناه كون الفعل بحيث يجوز لله تعالى أن يعاقب عليه بالنظر إلى ذاته ، ولا ينافي ذلك عدم جوازه لئلاّ يلزم كذبه تعالى في إخباره بنفي العذاب ، فيقال في الواجب العقلي على تقدير استلزامه الواجب الشرعي أنّه بحيث يجوّز المكلّف العقاب عليه بالنظر إلى ذاته وإن لم يجوّزه بالنظر إلى إخباره تعالى بنفي التعذيب لئلاّ يلزم كذبه ، كما في سائر موارد إخباره تعالى بالعفو من غير مستقلاّت العقل.
ومع الغضّ عن ذلك أيضا نقول : إنّا ندّعي الملازمة بين كون الفعل واجبا أو حراما عند العقل ـ على معنى استحقاق المدح والذمّ عليه ـ وكونه محبوبا أو مبغوضا لله تعالى يترتّب عليه استحقاق الثواب والعقاب ، على معنى ترتّبه على موافقة ميله تعالى ورضاه ، وهذا يكفي في انعقاد الحكم الشرعي المبحوث عن الملازمة بينه وبين الحكم العقلي على ما
__________________
(١) الوافية : ١٧٢.
(٢) الإسراء : ١٥.