ثمّ إنّ هاهنا امورا مهمّة ينبغي التعرّض لها :
الأمر الأوّل : في أنّ وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة على المختار هل هو على حدّ الوجوب الشرعي الّذي يعاقب على مخالفته ولو بارتكاب البعض وإن لم يصادف المحرّم الواقعي أو لا؟ فلا يعاقب إلاّ على مخالفة الواقع كما في صورة ارتكاب الجميع دفعة ، وفي صورة ارتكاب البعض المصادف للمحرّم الواقعي ، فإنّه يعاقب فيهما باعتبار ارتكابه المحرّم الواقعي لا غير ، وجهان بل قيل : قولان ، أجودهما بل أقواهما الثاني.
وربّما يشير إليه ما في حديث التثليث بناء على انطباقه على الشبهة المحصورة من قوله عليهالسلام : « وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم (١) » لقضائه بكون الهلاك الّذي هو العقاب الاخروي مترتّبا على الوقوع في المحرّم الواقعي المتحقّق في صورة ارتكاب جميع الشبهات ، والشأن إنّما هو بيان سرّ ما قوّيناه.
ويستظهر ذلك من الدليل المقام على وجوب الاجتناب عن الشبهة بجميع أطرافها من قاعدتي المقدّمة ووجوب دفع الضرر المحتمل ، فإنّ الوجوب المستفاد منهما وجوب عقلي ، وهو على الاولى مقدّمي فيكون غيريّا وقد تقرّر في محلّه أنّ الواجب الغيري لا يعاقب تاركه من حيث هو تاركه ، ومع ذلك فهو إرشاديّ لكون وجوب ذي المقدّمة وهو تحصيل العلم بالخروج عن عهدة التكليف إرشاديّا من العقل ، فإنّه إنّما يلزم المكلّف به إرشادا له إلى طريق الاطمئنان بالتخلّص عن العقاب على مخالفة الواقع ، ولذا لا يترتّب على موافقته ومخالفته أزيد ممّا يترتّب على تحصيل العلم وتركه ، فإنّه على الأوّل يحصل الاطمئنان بالتخلّص عن العقاب ، وعلى الثاني ربّما يتوجّه العقاب على تقدير اتّفاق مخالفة التكليف بارتكاب الحرام الواقعي ، وعلى قياسه وجوب مقدّمته وهو الاجتناب عن الجميع فلا يترتّب على مخالفته أزيد ممّا يترتّب على ترك اجتناب الجميع من العقاب على ارتكاب الجميع دفعة أو على ارتكاب البعض على تقدير مصادفته الحرام الواقعي.
وعلى الثانية أيضا لا يكون إلاّ إرشاديّا ، لأنّ العقل يلزم المكلّف بترك كلّ [ ارتكاب ] إرشادا له إلى التخلّص عن الضرر المحتمل وهو العقاب ، فلا يؤثّر مخالفته من حيث هو في العقاب على كلّ ارتكاب.
وتوهّم أنّ العقاب ربّما يثبت باعتبار التجرّي الحاصل عند كلّ ارتكاب لكونه قبيحا.
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٧ ، ح ٩ ، الفقيه ٣ : ٨ ـ ١١ ، ح ٣٢٣٣ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ ، ح ٥٢. وفيها : « ارتكب » بدل « وقع في ».