الخطاب بعنوان القطع ، كما لو أراد استعمال الماء في طهارته والسجود على الأرض في صلاته ، فهو مخاطب بالاجتناب عن المتنجّس المعلوم بالإجمال المردّد بين كونه الماء الّذي يشترط طهارته في الطهارة والأرض الّتي يشترط طهارتها في السجود ، فالتكليف بالاجتناب معلوم والشكّ في المكلّف به ، ولا يتمّ العلم بالخروج عن عهدته إلاّ باجتنابهما معا ، والفارق بينه وبين الفرع السابق أنّ المعلوم بالإجمال فيه دائر بين تقديرين كلّ منهما مؤثّر في حدوث التكليف بالاجتناب قطعا ، وثمّة بين تقديرين أحدهما مؤثّر فيه دون الاخر.
وقد عرفت أنّه جهة موجبة للشكّ في تنجّز التكليف بالاجتناب عن المعلوم بالإجمال ، فليتدبّر.
الأمر الثالث : فيما لو كان المعلوم بالإجمال في واقعة الشبهة المحصورة نجسا واقعيّا اشتبه بطاهر فلاقى طاهرا آخر أحد المشتبهين ، فهل يلحق بالمشتبه الملاقى في وجوب اجتنابه بناء على تنجّسه أو لا؟ قولان ، أقواهما وأشهرهما الثاني ، لأنّ الاجتناب عن الشيء باعتبار النجاسة إنّما يجب لكونه نجسا لذاته ، أو متنجّسا بواسطة ملاقاة النجس ، أو مشتبها بالنجس أو المتنجّس في الشبهة المحصورة ، وهذا ليس بشيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلفرض كونه طاهرا بالأصل.
وأمّا الثاني : فلعدم كون ملاقاة النجس محرزة فيه.
وأمّا الثالث : فلعدم كونه طرفا للعلم الإجمالي ، بضابطة عدم كون المعلوم بالإجمال دائرا بينه وبين غيره من المشتبهين ، ولذا لا يتناوله الحكم المقدّمي بوجوب الاجتناب ، فالشبهة بالنسبة إليه يعود إلى التكليف الصرف فيرجع إلى الأصل.
وتوهّم إحراز ملاقاة النجس فيه بالبناء على القول بكون النجاسة عبارة عن الأحكام التكليفيّة المنتزعة عن الشيء النجس الّتي منها وجوب الاجتناب عنه ، لا عن صفة ثابتة فيه موجبة لتلك الأحكام ، فيقال حينئذ : إنّ وجوب الاجتناب عن المشتبه الملاقي نجاسة فيه ، فيكون نجسا لاقاه طاهر.
أو بالبناء على أنّ الشيء قد يكون نجسا بتنزيل الشارع له منزلة النجس الواقعي وإجراء جميع أحكام النجس عليه ، كما في البلل المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء عن البول أو المنيّ ، فإنّها بول أو منيّ تنزيلي من الشارع وإن كان في الواقع غيرهما ، ولذا كان ناقضا للطهارة ومنجّسا لملاقيه ، فيقال حينئذ : إنّ المشتبه الملاقي نجس ولو بواسطة تنزيل