لأنّه لا يوجب سقوط الخطاب بالموافقة القطعيّة ، للقدرة على امتثاله بفعل المقدّمات الباقية.
وممّا يشير إلى ما بيّنّاه من لزوم مراعاة الموافقة القطعيّة مطلقا ما ورد في الإنائين المشتبهين من الأمر بإهراقهما معا ، فإنّ تعذّر ارتكاب أحد الطرفين لو كان طريقا إلى جواز ارتكاب الطرف الآخر لكان عليه الأمر بإهراق أحدهما فقط ، ليتعذّر ارتكابه فيترتّب عليه جواز ارتكاب الآخر.
وتوهّم الفرق بينه وبين ما نحن فيه في استناد التعذّر إلى الاختيار وعدمه ، كما ترى.
الأمر الرابع : في أنّه إذا اضطرّ المكلّف إلى بعض أطراف الشبهة فإمّا أن يضطرّ إلى بعض معيّن أو إلى بعض لا بعينه أعني أحدها على البدل ، وعلى الأوّل فإمّا أن يحصل الاضطرار قبل العلم بنجاسة أحدهما أو ملاقاة النجاسة له ، أو بعده.
أمّا الصورة الاولى : فلا ينبغي التأمّل في جواز ارتكاب الباقي بعد ارتكاب المضطرّ إليه ، لعدم تنجّز التكليف بالاجتناب قبل العلم ، وبعده أيضا يشكّ في تنجّزه بالقياس إلى الباقي ، لاحتمال كون المضطرّ إليه هو الحرام الواقعي الجائز ارتكابه بمقتضى الاضطرار ، فيجري فيه الأصل السليم عن المعارض.
وبالجملة حصل الاضطرار إلى أحد الإنائين لو علم المحرّم منهما وكان هو المضطرّ إليه جاز ارتكابه ، لأنّ الاضطرار إلى الحرام ممّا يجوّز ارتكابه ، فهذا اضطرار إلى ما جاز ارتكابه ولو كان هو الحرام الواقعي ، فتردّد البعض المعيّن المضطرّ إليه بين كونه المحرّم الواقعي أو غيره جهة اجتمعت مع العلم الإجمالي اللاحق موجبة للشكّ في تنجّز التكليف معه ، وقد ذكرنا سابقا أنّ من شرط تأثير العلم الإجمالي في تنجّز التكليف أن لا يجامعه جهة اخرى موجبة للشكّ فيه ، فيبقى البعض الغير المضطرّ إليه موردا للشكّ في التكليف باجتنابه.
وأمّا الصورة الثانية : ففي وجوب الاجتناب عن البعض الغير المضطرّ إليه وعدمه وجهان ، من أنّ الاضطرار اللاحق بالعلم الإجمالي المنجّز للتكليف هل أوجب سقوط أحد المقدّمات العلميّة عن الاعتبار ، أو خروج الحرام الواقعي عن وجوب الاجتناب؟
والأوّل أحوط فيكون وجوب الاجتناب أقوى ، وذلك لأنّ الترخيص في ترك بعض المقدّمات العلميّة بعد ثبوت التكليف والشكّ في المكلّف به ـ كما هو قضيّة سبق العلم الإجمالي على الاضطرار ـ لا يوجب الترخيص في ترك البعض الآخر منها ، بل يجب إتيانه مراعاة لتقديم الموافقة الاحتماليّة على المخالفة القطعيّة عند تعذّر الموافقة القطعيّة.